· يمكن القول إن التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في "منتدى سبان" في واشنطن، والتي دعا في سياقها الحكومة الإسرائيلية إلى استئناف المفاوضات [مع الفلسطينيين] على الفور تعكس غضب الإدارة الأميركية الحالية وإحباطها من سلوك إسرائيل السياسي عامة، ومن مواقفها إزاء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني خاصة.
· وتأتي دعوة بانيتا هذه في وقت يمر فيه العالم العربي برمته في مرحلة انتقالية من أنظمة حكم دكتاتورية إلى أنظمة حكم "ديمقراطية" جديدة تخضع لسيطرة الشارع والقوى الأكثر تنظيماً فيه، والمتمثلة في الإسلام المتطرف. ومعروف أن الشارع العربي والإسلام المتطرف يكنان العداء الشديد لإسرائيل واليهود، لكن نظراً إلى أنه لم يكن لهما أي وزن في أنظمة الحكم السابقة فإنهما لم يؤثرا كثيراً في سياساتها العامة.
· بناء على ذلك، ثمة احتمال قوي لأن تتغير الأوضاع في منطقتنا في المستقبل، ولأن يؤدي تغيرها، مثلاً، إلى تقويض اتفاقيتي السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن. كما أن ما حدث حتى هذه اللحظة يمكن أن يتسبب بفقدان إسرائيل القدرة على العمل ضد "الإرهاب" الفلسطيني في حال استئنافه، وما يمكن توقعه هو أنه من الآن فصاعداً ستكون إسرائيل مضطرة إلى أن تدرس بعمق أي عملية ردع أو انتقام تقوم بها خشية أن تشعل الشارع العربي. في الوقت نفسه، فإن إسرائيل ستصبح عرضة أكثر من أي وقت مضى لضغوط خارجية، بما في ذلك ضغوط من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في كل ما يتعلق بعملياتها العسكرية.
· وبطبيعة الحال، فإن هذه الأوضاع ستضع أمام إسرائيل صعوبات جمة في مجال إدارة شؤونها في مقابل السلطة الفلسطينية التي من المتوقع أن تصبح بفضل تأييد الشارع العربي ذات قدرة أكبر على مماحكة إسرائيل.
من المعروف أن السلطة الفلسطينية الحالية معنية بالتوصل إلى تسوية سياسية [مع إسرائيل] وفقاً للشروط التي تبلورت منذ سنة 2000 والتي انعكست فيما بعد في "خطة كلينتون" و"رسالة بوش إلى شارون" و"اقتراحات أولمرت" التي عرضها على محمود عباس. وتحسن الحكومة الإسرائيلية صنعاً إذا ما أجرت فوراً مع هذه السلطة مفاوضات جادة تهدف إلى التوصل إلى تسوية سياسية على أساس هذه الشروط. ولا بد من القول إن إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني من شأنه أن يسقطه من جدول أعمال العالم العربي، ويجب فعل ذلك قبل أن يستكمل المتطرفون عملية سيطرتهم على أنظمة هذا العالم.