· لقد كانت وسائل الإعلام الغربية هي من اطلقت اسم "الربيع العربي" على ما يحدث في المنطقة، وقد تبنينا نحن هذه التسمية التي عكست أمل الغرب بأن يكون العالم العربي على أبواب مرحلة جديدة إيجابية للغاية تبشر بسقوط الأنظمة الديكتاتورية وقيام الديمقراطية. لكن بعد مرور عام تبدلت التسمية، وما زال في إمكاننا الحديث عن ربيع، لكنه ليس عربياً وإنما هو ربيع الإسلام السياسي في الدول العربية، ولا سيما بعد أن أصبح هذا الإسلام السياسي الحزب السياسي الأكبر في المغرب وتونس، وبات يملك تمثيلاً مهماً وسط الثوار الليبيين، وعلى وشك أن يصبح حزب الأغلبية في مصر، ولا أحد يستطيع أن يعلم ما الذي قد يحدث في الأردن وفي سورية.
· والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: كيف أدت هذه الثورات الفوضوية إلى فوز الإسلام السياسي المتمثل في حركة الإخوان المسلمين التي تتمركز قيادتها في مصر، وتمتد فروعها إلى مختلف أنحاء الدول العربية؟
· هناك ثلاثة أسباب أدت إلى حدوث ذلك، هي: أولاً، البنية التنظيمية لحركة الإخوان المسلمين وخبرتها الطويلة وانضباطية أعضائها؛ ثانياً، البنية التحتية الاجتماعية والتعليمية التي أقامتها الحركة في المجتمع المصري؛ ثالثاً، الأيديولوجيا، ففي نظر الإخوان المسلمين لا يمكن مواجهة مشكلات الحياة اليومية وعمليات التحديث والثقافة الغربية بواسطة تقليد الغرب، وإنما بواسطة الإسلام والقرآن والشريعة. وهم يسعون للوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات من أجل بناء دولة الإسلام، وتحرير الدول الإسلامية من ظلم الاحتلال الأجنبي المادي والنظري.
· ويعني هذا أيضاً العمل على القضاء على دولة إسرائيل التي يعتبرها الإسلاميون دولة محتلة وأجنبية، كما يرون ضرورة توحيد الدول الإسلامية في كيان واحد، والعمل على نشر القيم الإسلامية في العالم (تجدر الإشارة هنا إلى أن الحركات الإسلامية الراديكالية تؤمن باستخدام العنف ضد الأنظمة الغربية العلمانية وضد الأجانب). هذه هي الأيديولوجيا التي يتوجه من خلالها الإسلاميون إلى الإنسان العربي المسلم الملتزم دينياً، وإلى المتعلمين الذين يئسوا من الثقافة الغربية.
· إننا نشهد اليوم مرحلة جديدة بات الإخوان المسلمون يمثلون فيها القوة السياسية في السلطة. وعلينا أن نفهم أن ما يجري ليس انقلاباً، وإنما هو عملية تطور طويلة المدى مر بها هذا الإسلام ومن الصعب التنبؤ مسبقاً بما سيحدث.
· وهنا نسأل: ماذا يوحي المشهد الحالي لإسرائيل، وخصوصاً فيما يتعلق بمصر؟ لسنا على أبواب حرب أو مواجهة، كما أن اتفاق السلام لن يُلغى في المستقبل المنظور. فالنظام المصري الجديد سيكون خاضعاً لكوابح كثيرة، ولا سيما أنه بحاجة إلى تحمل المسؤولية، وتأمين القوت لأكثر من 85 مليون مصري، وإدارة الدولة. وما الذي سيحدث بعد ذلك؟ ما سيحدث هو أن إسرائيل ستجد نفسها في محيط معاد يكره مجرد وجود دولة يهودية، وأن السلام مع مصر والأردن سيصبح أكثر برودة (إذ يجب ألاّ ننسى أننا صنعنا السلام مع النظامين المصري والأردني، وليس مع شعبي هذين البلدين اللذين ما زالا يقاطعان إسرائيل).
ضمن هذا المنظور تعود إسرائيل إلى مرحلة من العداء شبيهة بتلك التي عرفتها خلال سنة 1948، إلاّ إن إسرائيل هذه المرة أقوى بكثير من الدول المجاورة لها. ومع ذلك ينبغي لها أن تبذل كل ما في وسعها كي لا تستفز دول الجوار، لكن، في الوقت نفسه، عليها التوصل الى ترتيبات عملية علنية أو سرية معها.