معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· اجتمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، في القاهرة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 للبحث في تطبيق اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس" الذي وُقّع في أيار/مايو 2010. وفي نهاية اللقاء تحدث الزعيمان بحماسة عن التقدم التاريخي الذي حققه اجتماعهما، إلاّ إن وسائل الإعلام الفلسطينية قدمت روايتين مختلفتين لنتائج هذا الاجتماع. فمن جهة، هناك من تحدث عن توصل الرجلين إلى تفاهمات تشكل مرحلة أولى على طريق تطبيق اتفاق المصالحة. ومن جهة أخرى، هناك من قلل من نتائج الاجتماع، مثل محمود الزهار، المسؤول الكبير في حركة "حماس" في غزة، الذي رأى أن ما حدث هو تحضير للمفاوضات الحقيقية التي ستجري خلال كانون الأول/ديسمبر 2011. وهدف هذا المقال هو تحديد نقاط الاتفاق التي توصل إليها الزعيمان، وتقويم مدى التقدم الذي تحقق من أجل تنفيذ المصالحة.
· لقد عُقد الاجتماع بعد تنازل محمود عباس عن تمسكه ببقاء سلام فياض رئيساً للحكومة، إذ اتفق الطرفان على التوصل إلى تحديد هوية رئيس حكومة الوحدة الوطنية في مهلة أقصاها 22 كانون الأول/ديسبمر الحالي، كما اتفقا على المبادىء السياسية المشتركة لإجراء الانتخابات في أيار/مايو 2012. وقبلت "حماس" بتبني الخط الذي انتهجته منظمة التحرير الفلسطينية في الفترة الأخيرة بشأن المفاوضات، وإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، وتقسيم القدس، مع التمسك بشروط عباس لاستئناف المفاوضات، أي اعتراف إسرائيل بحدود 1967، وتجميد الاستيطان، ووقف إطلاق نار كامل من جانب كل الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وتبني وسائل المقاومة الشعبية السلمية لمقاومة الاحتلال وبناء المستوطنات....
· تختلف هذه الاتفاقات عما جاء في بنود اتفاق المصالحة في نقطتين، هما: أولاً، جرى التخلي عن الترابط بين تنفيذ بنود الاتفاقات المتعددة، إذ تستطيع القيادة الموقتة إجراء الانتخابات من دون الاتفاق على هوية رئيس الحكومة؛ ثانياً، اتُفق على إطار للقيادة الموقتة لم يرد ذكره في بنود اتفاق أيار/مايو 2011، ويعتبر هذا بمثابة خطوة أولى في اتجاه دخول "حماس" والجهاد الإسلامي الى منظمة التحرير الفلسطينية، وهو إنجاز بالنسبة إلى "حماس" التي تسعى لإنهاك منظمة التحرير كخطوة أولى للسيطرة عليها والثمن الذي دفعته "حماس" مقابل ذلك، أي موافقتها على الخطة السياسية لمحمود عباس، ليس ثمناً باهظاً، نظراً إلى أن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لن تُستأنف، وبالتالي لن تضطر الحركة إلى مواجهة نتائج فعلية لموافقتها على هذه الخطة.
· بالنسبة إلى عباس، فإن قبول "حماس" هذه الاتفاقات سيسمح له بالقول إنه يمثل كل الفلسطينيين، وإنه يحظى بتأييدهم، وبهذه الطريقة يستطيع ممارسة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لمواجهة الجمود في المفاوضات السياسية، وسيكون محمياً سياسياً من جانب "حماس" التي قبلت خطته، كما أرسل عباس بذلك رسالة إلى إسرائيل والأطراف الأخرى مفادها أن استمرار الجمود سيكون ثمنه باهظاً لأنه سيدفعه في اتجاه تطبيق اتفاق المصالحة، الأمر الذي سيؤدي إلى تدهور العلاقات مع إسرائيل، وإلى تغيير سياسي عميق في السلطة الفلسطينية.
· من الواضح أن السلطة الفلسطينية و"حماس" لم يغيرا موقفهما الأساسي من اتفاق المصالحة، لكنهما لا يريدان إلحاق الضرر بسيطرتهما على المناطق التابعة لهما، أي سيطرة "حماس" على قطاع غزة، وسيطرة "فتح" على الضفة الغربية.
بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الخطر الأساسي يكمن في أن استمرار جمود مسار المفاوضات، فضلاً عن العقاب الذي تفرضه إسرائيل للضغط على عباس كي يتراجع عن توجهه إلى الأمم المتحدة من أجل الحصول على اعتراف بالدولة الفسلطينية، قد يؤديان إلى نشوء وضع سياسي جديد لا يمكن التراجع عنه في السلطة الفلسطينية. إذ سيسمح تنفيذ اتفاق المصالحة لـ "حماس" باستئناف نشاطها السياسي في الضفة الغربية، كما أن استمرار الجمود السياسي مع وقف الضغط على "حماس" في الضفة الغربية سيضعفان المعسكر الفلسطيني القومي المعتدل المؤيد للحل السياسي مع إسرائيل وسيساهمان في تقوية "حماس".