مطلب تجميد الاستيطان لا يمكن أن يكون بديلاً من خطة سلام شاملة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      إن المطلب [الأميركي] الداعي إلى تجميد البناء في المستوطنات [في المناطق المحتلة] لن ينطوي على أي تأثير في العملية السياسية، ما دام لم يتم تبليغ الجمهور الإسرائيلي العريض، ولا الجمهور الفلسطيني، بشأن مصير نصف مليون إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية. فكم من هؤلاء سيتوجب إخلاؤهم؟ وما هي تكلفة هذا الإخلاء، ومن الذي سيدفع المال؟

·      من المعروف أن عملية إخلاء 7000 يهودي من مستوطنات قطاع غزة [في إطار خطة الانفصال في صيف سنة 2005] كلفت أكثر من 10 مليارات شيكل، وبناء على ذلك، فإنه في حال إخلاء مئة ألف مستوطن من الضفة الغربية، مثلاً، من المتوقع أن تبلغ تكلفة ذلك نحو 150 مليار شيكل، أي قرابة نصف ميزانية إسرائيل لعام واحد.

·      لقد نجح الضغط الأميركي، حتى الآن، في أن يلوي ذراع [رئيس الحكومة الإسرائيلية] بنيامين نتنياهو، وفي جعله يقول أنه راغب في حل "دولتين لشعبين". لكن يبقى السؤال: ماذا بعد ذلك؟ هل الدولتان اللتان يقصدهما نتنياهو هما اللتان يقصدهما [رئيس السلطة الفلسطينية] محمود عباس، أو اللتان تقصدهما الإدارة الأميركية؟ وأين ستمر الحدود بينهما؟ وإذا كان الطرفان [الإسرائيلي والفلسطيني] متفقين على أن تبقى كتل استيطانية في يد إسرائيل، فما هو المنطق الكامن وراء مطلب تجميد الاستيطان في هذه الكتل؟ إن المنطق، في هذه الحالة، يقول إنه يجب الاستمرار في البناء فيها، بوتيرة متسارعة، كي يكون في إمكانها أن تستوعب الذين سيتم إخلاؤهم من المستوطنات الأخرى.

·      في واقع الأمر، فإن مطلب تجميد الاستيطان يصبح، في ظل عدم وجود خطة عينية تشمل اتفاقاً بشأن الحدود، منفصلاً عن أي سياق سياسي، ويبدو كما لو أن هدفه الأقصى هو تظاهر الولايات المتحدة بقدرتها على أن تفرض "شيئاً ما" على إسرائيل، في الوقت الذي مُنيت بالفشل حتى في أن تفرض تفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية، على الرغم من أن إسرائيل تعهدت للولايات المتحدة بتفكيكها.

·      من ناحية أخرى، لا بُد من القول إن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست بحاجة إلى إقناع الجمهور الإسرائيلي العريض بضرورة تأييد استئناف العملية السياسية والموافقة على المزيد من الانسحابات [من المناطق المحتلة]، بقدر حاجتها إلى إقناع الشركاء في الائتلاف الحكومي في هذا الشأن.

ولا شك في أن حكومة إسرائيلية أخرى، أكثر عقلانية من الحكومة الحالية، ما كانت لتنتظر بوادر حسن نية من دول عربية من أجل تحريك العملية السياسية، وإنما كانت تبادر إلى استغلال فترة الهدوء الطويلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأداء المتميز لقوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية في مجال محاربة "الإرهاب"، واستعداد محمود عباس لإجراء مفاوضات جادة، كي تقول للجمهور العريض في إسرائيل إن الوقت مُواتٍ للانسحاب والتوصل إلى اتفاق. غير أن الحكومة الحالية ليست من هذا الصنف بتاتاً، وواشنطن تدرك ذلك جيداً، ولذا ثمة حاجة ماسة إلى خطة شاملة توجه إدارة المفاوضات بصورة دقيقة وحازمة. إن تجميد الاستيطان لا يعتبر خطة، ولا حتى وصفة للتقدم إلى الأمام.