مداولات "لجنة تيركل" تفضح مرة أخرى مدى تعلق المؤسسة السياسية الإسرائيلية بقرارات الجيش
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       كشفت مداولات "لجنة تيركل" [التي تتقصى وقائع الهجوم الإسرائيلي على قافلة السفن التركية التي كانت متجهة إلى غزة في أواخر أيار/ مايو 2010] أن عملية اتخاذ القرارات السياسية في إسرائيل ترتكز، بصورة حصرية، على قرارات الجيش. ويبدو أنه في كل مرة يكون هناك حاجة إلى اتخاذ قرار ذي طابع استراتيجي، فإن الجيش الإسرائيلي يقترح خطة تتعلق بتنفيذه، وتكون الخطة الوحيدة المدرجة في جدول أعمـال الحكومة.

·       إن الأمر الجديد الذي اشتملت عليه شهادة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لدى مثوله أمام "لجنة تيركل" هذا الأسبوع، كامن في حقيقة أنه لأول مرة يعترف رئيس حكومة في إسرائيل بهذا الأمر علناً. وهذا يعني أن المؤسسة السياسية تمنح الجيش استقلالا ذاتياً مطلقاً في إقرار الوسيلة التي يتعين اتباعها لتطبيق القرارات السياسية.

·       فضلاً عن ذلك، فإن رئيس الحكومة والوزراء جميعاً، لا يكلفون أنفسهم عناء استيضاح تفصيلات العملية العسكرية التي يقرر الجيش القيام بها، أو دراسة تداعياتها وتأثيراتها في مجالات أخرى لا تندرج في نطاق المجال العسكري الصرف، مثل المجال المتعلق بمكانة إسرائيل الدولية.

·       وعلى ما يبدو، فإن هذا النمط في اتخاذ القرارات السياسية مريح جداً لكبار المسؤولين في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، ذلك بأنه يتيح لهم دائماً إمكان إلقاء المسؤولية عن الإخفاقات على عاتق الجيش، كما فعل وزير الدفاع إيهود باراك في سياق شهادته التي أدلى بها لدى مثوله أمام "لجنة تيركل".

·       وتجدر الإشارة إلى أن لجان تحقيق سابقة في إسرائيل، بدءاً بلجنة أولشن ـ دوري في خمسينيات القرن الفائت [لجنة تحقيق سرية أقامها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق موشيه شاريت سنة 1954 في إثر فضح ما عرف باسم "الصفقة المشينة"، والتي قام خلالها جواسيس يهود بارتكاب عمليات إرهابية ضد مصالح غربية في مصر بهدف الإساءة إلى علاقات هذه الأخيرة بالدول الغربية] وانتهاء بلجنة فينوغراد [التي تقصّت وقائع حرب لبنان الثانية في صيف سنة 2006]، أشارت إلى هذا الخلل. وقد كتبت لجنة فينوغراد، مثلاً، أن الجيش هو هيئة تخضع للحكومة في كل ما يتعلق بالعمليات العسكرية، لكنه عملياً يتدخل أيضاً في أمور ذات طابع سياسي محض. وأضافت أن هناك وزناً كبيراً لتوصيات الجيش في مقابل انعدام القدرة الفعالة لدى المؤسسة السياسية على وضع تحديات أمامه، أو على دراسة ضعف توصياته وجوهر قدراته.

وقد أوصت لجنة فينوغراد في حينه بتحسين عملية اتخاذ القرارات وعدم التسليم بوجود خطة واحدة مدرجة في جدول أعمال الحكومة، وتُقدّم من طرف الجيش، غير أن المؤسسة السياسية تجاهلت استنتاجات لجنة فينوغراد كلياً. ويمكن الافتراض أن "لجنة تيركل" أيضاً ستقوم بالإشارة، في استنتاجاتها، إلى هذا الخلل الخطر، وأن كلاً من نتنياهو وباراك سيستمران في تجاهل هذا الأمر، وفي بلورة قراراتهما السياسية بصورة تتيح لهما دائماً إمكان إلقاء المسؤولية عن الإخفاقات اللاحقة على عاتق الجيش. ولا شك في أن المشكلة ستتفاقم أكثر فأكثر عندما يفشل الجيش الإسرائيلي في تنفيذ خططه، وهو ما بات يحدث كثيراً في الآونة الأخيرة.