معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· بدأت الانتفاضة ضد النظام السوري في آذار/مارس 2011، واقتصرت في البداية على مناطق معينة، فاستمرت وتيرة الحياة طبيعية في المدن السورية الكبرى. وفي الأشهر الأولى للأحداث السورية، ظهر تردد كبير لدى الإدارة الأميركية في واشنطن إزاء كيفية التعامل مع هذه الأزمة، ووجدت سبيلاً للتهرب من اتخاذ موقف حاسم، وذلك عبر دعواتها المتكررة للرئيس الأسد إلى القيام بإصلاحات ديمقراطية في بلده. وعندما تبين لها أن الأسد لا يستجيب إلى هذه الدعوات، رفعت سقف مطالبها الشفهية، فأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في 18آب/أغسطس 2011 أن على الرئيس الأسد التنازل عن منصبه "من أجل مصلحة الشعب السوري."
· في المقابل نشطت الإدارة الأميركية بصورة مكثفة دولياً، وخصوصاً وسط المؤسسات الدولية، في محاولة لوضع خطة عمل دولية ضد نظام الأسد، كما اتخذت سلسلة من الخطوات الاقتصادية ضد سورية. وبالاستناد إلى مصادر متعددة، فقد جاء تحرك الإدارة الأميركية، بالتنسيق مع السعودية وتركيا، من أجل مساعدة الثوار في سورية ضد الرئيس الأسد. وتشير بعض المعلومات إلى تواجد رجال الاستخبارات الأميركية على الحدود السورية – التركية، وتقديمهم المساعدة للثوار من خلال مدّهم بالمعلومات والسلاح وتدريبهم.
......
· ثمة أصوات في الإدارة الأميركية تطالب بتدخل أكثر فعالية للولايات المتحدة في سورية، بما في ذلك القيام بخطوات ذات طابع عسكري. ومن بين الاقتراحات المطروحة، القيام بعملية تقيد تحرك الطيران السوري، أو من خلال إقامة ممرات آمنة.
· يمكننا الافتراض أنه إلى حين موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 ستمتنع إدارة أوباما من القيام بعملية عسكرية في سورية. والانطباع السائد اليوم داخل هذه الإدارة هو أن الحرب الأهلية الدائرة حالياً في سورية لا تشكل تهديداً جدياً لمصالح الولايات المتحدة الحيوية في المنطقة، فسورية دولة معادية للولايات المتحدة، وإذا كانت الحرب الأهلية الدائرة فيها ستجعلها دولة ضعيفة فإن هذا يصب في المصلحة الأميركية. فضلاً عن ذلك، فإن سورية هي أهم حليف لإيران، وفي حال أصبحت دولة ضعيفة فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف محور الشر الإيراني – السوري، وهذا تطور ملائم للغاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. كذلك فإن سورية حليف مقرب من خصمي الولايات المتحدة على الساحة الدولية، روسيا والصين، والوضع السوري الحالي محرج جداً ومقلق بالنسبة إلى هاتين الدولتين، وهذا ما ترغب فيه الولايات المتحدة.
· من جهة أخرى، ثمة مصلحة جوهرية لخصوم سورية في المنطقة، مثل إسرائيل ولبنان وتركيا والأردن، في إضعاف سورية، فالحرب الأهلية في سورية من شأنها أن تلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد السوري، وأن تضعف الجيش السوري. وترى الولايات المتحدة أنه في ظل الأوضاع الراهنة ليس هناك خطر حقيقي ومباشر من انتقال الحرب الأهلية في سورية إلى الدول المجاورة لها، من هنا فهي لا ترى أن هناك حاجة في المرحلة الحالية إلى التصعيد عبر تدخلها هناك.
· وتشكل الانتخابات في الولايات المتحدة سبباً ضاغطاً ومهماً على إدارة الرئيس أوباما، على الرغم من عدم اعتراف أحد بذلك، فالانطباع السائد اليوم هو أن الإدارة تعمل تحت شعار "صفر خلافات"، على الأقل حتى موعد الانتخابات. فالهدوء السائد على خلفية إخراج القوات الأميركية من العراق والنية بسحب القوات الأميركية من أفغانستان، يخدم جيداً الإدارة الأميركية، ويحسن حظوظ الرئيس أوباما في الفوز بولاية ثانية. من هنا فإن التدخل العسكري ولو في حده الأدنى، من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى صراع دموي من الصعب توقع نتائجه، وعلى الأرجح أنه ستكون له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الأميركي وعلى نتائج الانتخابات.
· في النهاية، تدرك الإدارة الأميركية جيداً أن الحرب الأهلية الدموية الدائرة في سورية ليست معركة بين "الأخيار" و"الأشرار"، فالطرفان يتصرفان بوحشية مطلقة، على الرغم من أن الإعلام يصور النظام السوري في صورة الشرير، والثوار في صورة الأخيار. وتتخوف الإدارة الأميركية من ارتكاب الثوار مذابح ستُتهم القوات الأميركية بالمسؤولية عنها، حتى لو لم تكن متورطة بها مباشرة. ويجب ألاّ ننسى أن الثوار لا يشكلون كتلة موحدة، ومن الصعب السيطرة عليهم، لذا ففي حال انتصروا، فهم على الأرجح سينتقمون من العلويين انتقاماً قاسياً، وليس في استطاعة الولايات المتحدة التهرب من تحمل المسؤولية في حال قبلت بما يقوم به الثوار. إن جميع هذه الاعتبارات هي التي تردع الإدارة الأميركية عن التدخل في سورية.