عام على حركة الاحتجاج الاجتماعي: الاحتجاج مات، تحيا الفوضى
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       مع مرور عام على الاحتجاج الاجتماعي يمكن القول إنه حقق إنجازات مهمة، فمنذ تقديم تقرير لجنة تراختنبرغ بدأ مسار جديد شعرنا بتأثيره في أسعار الشقق، وسيبدأ في العام الدراسي المقبل تطبيق الإصلاحات فيما يتعلق بتمويل التعليم المخصص للصغار، كما لمسنا انخفاضاً في أسعار المواد الغذائية.

·       ويمكن القول إن هذه الأمور تشكل إنجازات غير مسبوقة لحركة احتجاج غير حزبية تشبه الإنجازات التي حققتها حركة الاحتجاج الشعبي في أعقاب حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، والتي أدت إلى إسقاط حكومة غولدا مئير.

·       إن الثورة التي كان ينتظرها كثيرون لم تحدث. فقد كانت أغلبية المشاركين في الاحتجاج تنتمي إلى الطبقة الوسطى، لذا فإن كل ما يمكن تحقيقه هو تحسينات طبقية، إذ ليس في إمكان البورجوازية الصغيرة، التي كل هدفها تخفيض أسعار المساكن والتعليم والسلع الأساسية، أن تصنع ثورة.

·       ولذا، يستطيع الذين حملوا شعار "الشعب يريد العدالة الاجتماعية" أن ينسبوا إلى أنفسهم تحقيق إصلاحات طبقية مهمة، على الرغم من أنهم كانوا يتطلعون إلى أهداف أكبر، وثمة إصلاحات أخرى على الطريق. ومع أن بعض قادة التحرك جاؤوا من خلفية أكثر راديكالية، إلاّ إنهم كانوا ناضجين بما فيه الكفاية للالتزام بالمواقف العامة والمشتركة، ولعدم قيادة الاحتجاج تحت شعارات أكثر ثورية. فهم لم يأخذوا بتوجيهات قادتهم الروحيين من الأكاديميين ومن اليسار المتطرف، والتي كان من شأنها أن تصبغ الاحتجاج بصبغة شيوعية حمراء وبألوان منظمة التحرير الفلسطينية، لأنهم أدركوا أنهم سيلحقون الضرر بهذا الاحتجاج.

·       بيد أن أعمال العنف التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي قلبت الأمور رأساً على عقب، وأدت إلى أضرار جسيمة، وربما قد تتسبب بنهاية الطابع الشعبي للتحرك. فقد يواصل المئات التظاهر دفاعاً عن النظرة الراديكالية للعدالة الاجتماعية، لكن أغلبية المؤيدين للاحتجاج من أبناء الطبقة الوسطى ستتحول عنه، لأن المواجهات مع الشرطة وتهشيم الواجهات الزجاجية والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة لا تشكل جزءاً من أجندتها الاجتماعية والسياسية.

·       حتى في الأيام الصعبة  في بداية الخمسينيات لم تعرف إسرائيل الجوع الحقيقي، أو الضائقة الاجتماعية التي يشكل العنف السبيل الوحيد لإيجاد حلول لها. من هنا يُطرح السؤال التالي: ما هو الدافع لاستخدام العنف في الدفاع عن قضايا اجتماعية، وهل يعكس هذا العنف ضائقة حقيقية لا يمكن معالجتها من دون اللجوء إلى استخدامه؟ في الواقع، فإنه في حال استمر العنف سيضعف الزخم  الذي برز في احتجاج الصيف الماضي والذي أثمر نتائج كثيرة.

لقد فقد الاحتجاج الاجتماعي، حتى اللاعنفي منه، زخمه. ويشعر الأشخاص، الذين أتوا للمشاركة في الاحتجاج أمس، بأنهم حققوا إنجازات لا يستهان بها، وهم يعتقدون أنهم قادرون فيما بعد على تحويل الميزانيات المخصصة لخدمة أهداف قطاعات خاصة إلى خدمة أهداف عامة يمكن أن يستفيد منها جميع الناس. ومع ذلك، نراهم يرفضون المطالبة باقتصاد "اجتماعي" مسرف وغير مسؤول، ذلك بأن أوروبا لن تسارع إلى إنقاذنا كما فعلت مع اليونان وإسبانيا أوإيرلندة، كما أن ألمانيا لن تساعدنا، إذ يكفيها تمويل الغواصات. إن أغلبية المحتجين تفهم  كل هذه الأمور، إلاّ إن مهشمي الزجاج في تل أبيب لا يفهمونها.