بناء إسرائيل جدارن الفصل يعكس انتقال العقيدة الأمنية الإسرائيلية من الهجوم والمبادرة إلى التحصن والدفاع
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

·       أحيت إسرائيل قبل بضعة أيام ذكرى مرور 30 عاماً على حرب لبنان الأولى، حين أدى توغل قوات الجيش الإسرائيلي داخل لبنان إلى انهيار نظرية الجدار الطيب الذي حاولت إسرائيل بناءه في علاقتها مع هذا البلد. صحيح أن الجدار في طبيعته يفرق ويبعد، لكن إسرائيل أملت من خلال بناء هذا الجدار في التوصل إلى علاقات تعايش مع لبنان. وفي سنة 2000، بعد الانحساب المتسرع للجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، أقامت إسرائيل جداراًً جديداً للأمن تُطلَق النيران على كل من يقترب منه.

·       لأعوام عديدة درست إسرائيل فكرة الجدار، ثم رغماً عنها، وجدت نفسها تقوم بإحاطة نفسها بجدران عالية أكثر تحصناً وتطوراً. ولا شيء كالجدار يمكن من خلاله التعرف على عمليات اتخاذ القرارات في إسرائيل، وعلى التغير الذي طرأ على عقيدتها الأمنية وأدى إلى الانتقال من العقيدة الهجومية والمبادرة إلى عقيدة التحصن والدفاع. وقد يكون أفضل دليل على ذلك، الجدار الأمني الجديد في الجنوب الذي سيمتد على طول 240 كيلومتراً وسيكلف أكثر من مليار ونصف المليار شيكل، والذي ستكون وظيفته وقف تسلل المخربين، وتدفق المهاجرين الباحثين عن العمل، وعمليات التهريب.

·       في بداية المشروع الاستيطاني برزت عقيدة "السور والبرج" [أسلوب انتُهج في بناء المستوطنات اليهودية في إبان الحوادث خلال عهد الانتداب، وهو عبارة عن سور يحيط بالمستوطنة للدفاع عنها، بالإضافة إلى برج داخلها للمراقبة]. ومع نشوء الدولة مع الحدود الطويلة والعدائية، امتنعت إسرائيل عن قصد من التحصن وراء الجدران، لكن مع مرور الزمن اتضح لها أنها تخدع نفسها، وأنها بحاجة إلى الجدران، التي أصبح لها أهمية أمنية وسياسية، فأقامت أول جدار أمني على طول الحدود مع الأردن بعد الانتصار الكبير في سنة 1967، وقد حقق هذا الجدار نجاحاً.

·       وشكّل الإرهاب دافعاً لبناء جدار جديد، هو جدار الفصل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وذلك تحت ضغط إرهاب الانتحاريين. وتستتر خلف هذا الجدار فكرة جديدة: إنه يرسم حدودنا الشرقية، وحيث يقوم ستعبر الجدار الحدود التي تفصل بيننا وبين الفلسطينيين. وعلى الرغم من الجدل الداخلي الكبير بشأن هذا الجدار، فإنه ساهم في تقليص الإرهاب من يهودا والسامرة وحقق نجاحاً.

·       وبقيت لدينا حدود طويلة جداً مع مصر تمتد على طول 240 كيلومتراً، وقد كانت حدود سلام، وتأمّلنا أننا لن نكون في حاجة إلى جدار على هذه الحدود، لكن، مرة أخرى، فرضت تقلبات الواقع في الشرق الأوسط على إسرائيل بناء جدار على حدودها مع مصر. ويبقى بناء جدار بين إسرائيل والأردن مسألة وقت.

·       في صيف 2012 تبدو كل الحدود البرية لإسرائيل، والممتدة على طول 1,000 كيلومتر، مسوّرة بصورة جيدة. ومن جدار إلى آخر تزداد قوتنا، ومع كل جدار تبرز تكنولوجيا جديدة أكثر تطوراً، وتعكس هذه الجدار الأمنية سيرة مختصرة لتاريخنا الأمني والسياسي، وهي تكشف جدياً  تحصن إسرائيل  وراء هذه الجدران.

مع بناء الجدران تتلاشى الآمال بحدود مفتوحة وحركة تنقل نشطة بيننا وبين جيراننا، ومن بينهم الفلسطينيون. في النهاية، يُعتبر الجدار شاهداً على الحلم الضائع، وصورة عن الواقع الجديد الذي سنعيش في ظله لأعوام طويلة.