· من يقرأ عناوين الأخبار هذا الأسبوع يتكون لديه انطباع بأن إيران مستعدة لتسويات كبيرة في ما يتعلق ببرنامجها النووي، وأن الأزمة بشأن برنامجها النووي العسكري أصبحت وراءنا.
· فقد بشرنا أحد العناوين بأن "إيران حيّدت نصف مخزون اليورانيوم المخصب الموجود لديها"، وتحدث عنوان آخر عما قاله رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية علي صالحي، من أن إيران والدول العظمى توصلوا إلى اتفاق بشأن الخلافات التقنية من خلال تقليص إنتاج المياه الثقيلة في مفاعل أراك، وأن إيران تظهر استعدادها لإبداء مرونة فيما يتعلق بمسارين أساسيين من شأنهما أن يؤديا إلى تطوير سلاح نووي هما: مسار تخصيب اليورانيوم ومسار إنتاج البلوتونيوم. هذه هي تحديداً الرسالة التي تأمل طهران إيصالها إلى الغرب.
· لكن التأمل في التفاصيل الدقيقة للأخبار التي نشرت والفهم الجيد لمجمل البرنامج النووي الإيراني يقودان إلى صورة مختلفة تماماً، فتقليص مخزون اليورانيوم مثلاً لا يعني تخلي إيران عن هذا المخزون، فهو تطبيق للتعهدات الإيرانية في إطار الاتفاق الموقت الموقع في تشرين الثاني/نوفمبر 2013. فقد وافقت طهران على تقليص مخزونها من اليوارنيوم المخصب بنسبة 20% الذي لا يكفي حتى لإنتاج قنبلة واحدة، من أجل الاحتفاظ بمخزون من المواد المخصبة بنسبة منخفضة (3,5%) يكفي لصنع ست قنابل.
· هذه هي الاستراتيجية الإيرانية في المفاوضات مع الدول العظمى، المحافظة على أقصى حد من الإنجازات وتقليص التنازلات. لذا، فبدلاً من الموافقة على مطالبة الدول العظمى بتحويل المفاعل في أراك بحيث يصبح غير قادر على إنتاج مواد مخصبة تصلح لصنع القنبلة، تقترح إيران تغيرات تقنية للمفاعل تقلص قدرته الإنتاجية لكن لا تلغيها. ومثل هذه التغييرات التقنية يمكن العودة عنها في حال قررت إيران خرق الاتفاق. تحاول إيران الظهور بمظهر الدولة المستعدة لتسويات جوهرية، لكنها في الوقت عينه تحتفظ بقدراتها الأساسية على المسارين اللذين يمكنها عبرهما تطوير سلاح نووي.
· يقترح الأميركيون التركيز على المطالبة بآلية رقابة شديدة وغير مسبوقة للبرنامج النووي الإيراني في إطار اتفاق نهائي. وهذا طلب أساسي من أجل منع إيران من تطوير سلاح نووي مستقبلاً لكنه غير كاف، فآليات الرقابة الدولية ليست كاملة وهي عرضة دائمة للفشل. وسبق أن فشلت في الماضي في كشف محاولات العراق وليبيا وكوريا الشمالية وسورية وإيران في التطوير السري لبرامج نووية عسكرية. ولا تستطيع آليات الرقابة الاستمرار في حال قررت إيران من طرف واحد وقفها، مثلما فعلت كوريا الشمالية.
· بناء على ذلك، فالمطلوب هو الموافقة على أطر تبعد إيران عن القنبلة من خلال إطالة الفترة الزمنية المطلوبة من أجل تطوير سلاح نووي في حال قررت إيران طرد المراقبين والانسحاب من المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية. ومن أجل هذا الغرض، يتعين على الدول العظمى أن تطلب من إيران تفكيك أغلبية أجهزة الطرد المركزي وإبقاء عدد رمزي منها من النوع غير المتطور. كما يجب المطالبة بخفض مخزون المواد المخصبة في إيران إلى أدنى نسبة والاحتفاظ بكميات رمزية (تكون أقل من المطلوب لصنع قنبلة واحدة). كما يتعين على هذه الدول المطالبة بإزالة مفاعل أراك كي لا يستخدم لأغراض عسكرية، والمطالبة بأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني. كما يجب فرض موافقة مجلس الأمن على الاتفاق، وتحديد مدته لسنوات طويلة- الفترة المطلوبة للتأكد من حدوث تحول حقيقي في السلوك الاستراتيجي الإيراني.
· لا يزال الموقف الرسمي الإسرائيلي يدعو إلى تفكيك شامل للبرنامح النووي الإيراني، لكن يبدو أن موقف الحليف الأقرب لإسرائيل، الولايات المتحدة، هو السماح للإيرانيين ببرنامج نووي ضمن حدود معينة. لذا، وحتى لو كانت وظيفة التصريحات الإسرائيلية العلنية الحؤول دون حدوث المزيد من التراجع في الموقف الأميركي في موضوع المفاوضات مع إيران، فإنه داخل الغرف المغلقة يجب التنسيق مع الأميركيين بشأن الخطوط العامة لاتفاق نهائي تستطيع إسرائيل التعايش معه، حتى لو تضمن قدرة إيرانية محددة لتخصيب اليورانيوم، شرط أن يقاس الزمن المتاح لإيران من أجل إنتاج سلاح نووي في حال قررت ذلك، بالسنوات لا بالأشهر، وبحيث يسمح للمجتمع الدولي باكتشاف "القفزة" إلى السلاح واتخاذ قرار بعملية عسكرية قبل أن يصل الإيرانيون إلى سلاح نووي.
إن التمسك بالموقف الإسرائيلي الرسمي داخل غرف المناقشات، من شأنه أن يعطل القدرة الإسرائيلية على التأثير في مفاوضات لا نشارك فيها.