· في السنة الأخيرة كان أبو مازن يقف بقوة على قدمين؛ القدم الأولى هي المفاوضات مع إسرائيل، والثانية المفاوضات مع حركة "حماس". وهذا هو المأزق الذي كان يعانيه، فالتخلي عن إحدى القدمين أو التنقل بقدم واحدة فقط، كانا سيتسببان بسقوطه، ولذا اختار البقاء في مكانه وإجراء المفاوضات مع إسرائيل ومع "حماس"، لكن من دون التقدم إلى أي مكان.
· لقد اختار أبو مازن التقدم في اتجاه "حماس" والمجازفة بردود فعل من جانب إسرائيل. لكن على الرغم من ذلك، يجب التعامل مع اتفاق المصالحة بين أبو مازن وزعامة "حماس" بحذر وشك. فالاتفاقات المشابهة التي توصل إليها الطرفان في الماضي خُرقت أكثر من مرة، وآخر حكومة وحدة وطنية شكلت سنة 2006 انهارت محدثة ضجة كبيرة بعد سيطرة "حماس" بالقوة على قطاع غزة. كما ان أبو مازن عمل لطرد "حماس" من الضفة الغربية. وبرغم هذا كله، فبعد نحو عقد من الاتصالات العقيمة توصل الطرفان إلى اتفاق كانا رفضاه حتى الآن. لذا، يبدو أن لا خيار لهما سوى هذا الاتفاق الذي ثمة شك في أن يلتزما به.
· لقد وصلت "حماس" إلى هذا الاتفاق من دون أي رصيد بعد أن أدارت سورية وإيران ظهريهما لها بسبب تأييدها للمتمردين على نظام بشار الأسد، وتعتبر مصر إسماعيل هنية وخالد مشعل عدوين خطرين، وهما في نظرها لا يختلفان في شيء عن الإخوان المسلمين في مصر الذين أصبحوا اليوم وراء القضبان.
· أما في قطاع غزة، فتشهد شعبية حكومة "حماس" تراجعاً كبيراً من جراء المصاعب التي تعانيها الحركة في تأمين الحد الأدنى من احتياجات السكان الذين يعيشون تحت سلطتها. لذا تحتاج "حماس" إلى أبو مازن مثل الحاجة إلى الأوكسيجين للتنفس، وتماماً مثلما كان عرفات بحاجة إلى اتفاق أوسلو قبل عقدين من الزمن.
· لكن أبو مازن يأتي هو أيضاً إلى هذا الاتفاق خالي الوفاض، فليس هناك طرف في العالم العربي يدعمه فعلاً، وهو يعلم أنه ليس هناك ما يمكن أن ينتظره من المجتمع الدولي. كما أن فشل المفاوضات مع إسرائيل ربما سيثير مطالبة الشارع الفلسطيني باستئناف النضال ضد إسرائيل، الأمر الذي يعرف أبو مازن بخبرته أنه سيؤدي إلى كارثة.
· وهنا يكمن المنطق في أساس الاستعداد المفاجئ لكل من أبو مازن وإسماعيل هنية للتوصل إلى اتفاق. لكن يبدو أن هذا الاتفاق مجرد استعراض يهدف إلى السماح لهما بالصمود داخلياً في مواجهة رأي عام ثائر، ويستطيع أن يحسن قليلاً وضعيهما على الساحتين الإقليمية والدولية. وفي الواقع، من الصعب الافتراض أن أبو مازن وزعماء "حماس" قادرون فعلاً على تخطي مخلفات الماضي، ولا سيما الاختلافات الأساسية في نظرتهم إلى العالم والاختلاف في مصالحهم السياسية على المدى البعيد، لذا نفترض أن حكومة الوحدة الوطنية في حال شكلت فإنها لن يكتب لها العمر الطويل.