الانسحاب الأحادي الجانب لا يخدم الهدف الاستراتيجي بالانفصال المتفق عليه عن الفلسطينيين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       أدى الجمود السياسي في المفاوضات مع الفلسطينيين، وافتراض عدم القدرة على التوصل إلى تسوية دائمة، إلى إحياء فكرة الانسحاب الأحادي الجانب من جزء من الضفة الغربية. ويعتقد المؤيدون لهذه الفكرة أن التوجهات الحالية، وفي طليعتها توسيع المشروع الاستيطاني، لا بد أن تتوقف قبيل التسوية التي سترسخ حل الدولتين، كذلك يعتقدون أن الإخلاء الأحادي الجانب سينشىء واقع دولتين وسيسهل تنفيذ الاتفاق الدائم. إلاّ إن التجربة الإسرائيلية المتعلقة بالخطوات الأحادية الجانب تشير إلى عكس ذلك، فالأطراف المعارضة للتسوية لدى الطرفين استغلت الإخلاءات والانسحابات الأحادية الجانب من أجل خلق وقائع على الأرض تجعل من الصعب تحقيق هذه التسوية.

·       لقد أدى بناء جدار الفصل تحت شعار "نحن هنا وهم هناك" إلى انتقال النشاط الاستيطاني إلى الجانب الفلسطيني من الجدار. وإذا كانت أغلبية أعمال البناء قد تركزت خلال عقود على الكتل الاستيطانية، فقد جرى في الأعوام الأخيرة بناء مزيد من الوحدات السكنية في المستوطنات المعزولة، وبلغ عدد الإسرائيليين الذين يسكنون فيها نحو 100,000 شخص. وما لا يقل أهمية عن ذلك اعتقاد أغلبية الجمهور الإسرائيلي أن مسار جدار الفصل سيتحول حتماً إلى خط للحدود، على الرغم من أن هذا المسار يضم نحو 8٪ من أراضي الضفة، ولا يمكن لإسرائيل أن تعيد للفلسطنيين أراض في مقابلها، كما أن مسار الجدار يمتد على نحو 900 كيلومتر، أي أطول ثلاثة مرات من الخط الأخضر، ويتغلغل في عمق الدولة الفلسطينية على بعد نحو 20 كيلومتراً من الخط الأخضر.

·       إن تسريع المشروع الاستيطاني في الأراضي الواقعة غربي جدار الفصل سيعزز هذا الموقف العام، وسيجعل من الصعب على إسرائيل الموافقة على خط للحدود يكون ثمرة تسوية بين موقفها وبين الموقف الفلسطيني، الذي يقترح تبادل ما نسبتة 2٪ من أراضي الضفة.

·       عندما نعود إلى تجربة إخلاء قطاع غزة والانسحاب منه، يتضح لنا أن محاولة تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية في مقابل الانفصال عن غزة، وفقاً لما أعلنه رئيس الحكومة آنذاك أريئيل شارون، قد اعتُبر بمثابة انتصار عسكري لـ "حماس" على حساب "فتح"، وكان ذلك من بين الأسباب الأساسية التي أدت إلى نجاح "حماس" في انتخابات السلطة الفلسطينية سنة 2006، كما أن سيطرة حماس العسكرية على غزة بعد عام من ذلك، أدت إلى إبعاد الممثل الفلسطيني المؤيد لفكرة التوصل إلى تسوية دائمة مع إسرائيل.

·       وقد استغل  المعارضون للتسوية السياسية في إسرائيل هذه التطورات ووضعوها في خدمة ثلاث حجج، هي: عدم وجود عنوان فلسطيني واحد للتسوية؛ ما حدث في غزة سيتكرر في الضفة حتى في حال الانسحاب منها ضمن إطار اتفاق؛ إن ذلك يلغي التهديد الديمغرافي، إذ سيرفع ضم الضفة إلى إسرائيل نسبة الفلسطينيين في الدولة إلى 40٪ فقط، الامر الذي سيمسح بالمحافظة على طابعها اليهودي.

·       إن الذين يسوقون فكرة الانسحاب الأحادي الجانب يتجاهلون تماماً أيديولوجيا الحكومة الحالية، التي هي غير مهتمة بالتسوية الدائمة، وهم يحاولون أن يعرضوا عليها التحكم بإطار الحل، وهذا مجرد وهم.

·       إن إخلاء المستوطنات الواقعة خارج جدار الفصل، والتي أغلبية سكانها من أنصار حركة غوش إيمونيم [حركة استيطانية تابعة لليهود المتدينين الصهيونيين]، سيفرض على إسرائيل دفع الأثمان الداخلية التي ستدفعها في الاتفاق النهائي. يمكن أن ينجح الانسحاب الأحادي الجانب، بصورة جزئية، في حال كان النزاع إقليمياً فقط، مثل انسحاب فرنسا من الجزائر وإجلاء كل مواطنيها من هناك. بيد أن هذا ليس هو وضع إسرائيل، لأن النزاع مرتبط بمشكلات أخرى مثل الاعتراف وحق العودة للفلسطينيين.

بناء على ذلك، وعلى المدى الطويل ستؤدي الخطوات الأحادية الجانب تحديداًَ إلى تأجيل تحقيق الهدف الاستراتيجي، أي الانفصال المتفق عليه عن الفلسطينيين الذي سيمنح إسرائيل الشرعية للمحافظة على حقوقها ومصالحها، حتى لو بالقوة.