من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
· هل كان بنيامين نتنياهو بحاجة إلى استشارة خبراء في الشرق الأوسط كي يعلم أن إحراق يهود لمسجد كبير ومهم من شأنه أن يشعل نيراناً أشد وأقوى؟ ولقد جرى أن رئيس الحكومة التقى خبراء حذروه من مغبة إحراق المسجد، ومن أن بناء 850 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية، تعويضاً على إخلاء حي هأولبانا، من شأنه أن يساهم بصورة غير مباشرة في نشوب انتفاضة ثالثة.
· تنطوي هذه التحذيرات على ثلاثة افتراضات، هي: أولاً، إن نتنياهو والقيادتين العسكرية والمدنية اللتين تعملان إلى جانبه لا يرغبون في نشوب انتفاضة ثالثة؛ ثانياً: إن نتنياهو هو العنوان الصحيح الذي يجب التوجه إليه؛ ثالثاً، إن الفلسطينيين يتأقلمون، بطريقة ما، مع كل ظلم لا يحمل طابعاً دينياً تمارسه ضدهم سلطاتنا العدائية.
· تنطوي هذه الافتراضات على كثير من الحقيقة. وحتى لو لم نكن خبراء، ففي استطاعتنا أن نلاحظ وجود خمس مصائب أساسية للاحتلال قادرة معاً وكل على حدة على التسبب بانتفاضة شعبية.
· نحن اليوم في مطلع فصل الصيف، ومع قدومه سيكون هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين من دون مياه جارية، فنحن مَن يسيطر على مصادر المياه، ونحن مَن يقرر أن يحصل اليهود على مياه من دون حدود وأن يكتفي الفلسطينيون بما تبقى منها، وما تبقى من هذه المياه في غزة غير صالح للشرب.
· هناك مليونا فلسطيني يعانون من نهب أراضيهم من أجل بناء المستوطنات، ومن معاملة المستوطنين السيئة لهم، ومن إطلاق النار والترهيب والاعتداءات الجسدية على المزارعين والرعيان. ونحن الذين نسمح لليهود بتطوير مشاريع ضخمة ونمنع الفلسطينيين من البناء.
· لقد أدت سياسة الاستيطان، والإجحاف في مسألة السماح للفلسطينيين بالبناء، إلى بروز ما يسمى بالمعازل الفلسطينية، وإلى قيام الجدارن والحواجز، وإلى الآلية البيروقراطية في منح أذونات المرور، وإلى إغلاق الطرقات، وإلى ممارسة سياسة الإغلاق، أي منح اليهود حرية التنقل والزواج والعمل والسكن في كل أنحاء البلد، بالإضافة إلى ممارسة سياسة الفصل والعزل والحشر والخنق تجاه الفلسطينيين. إلاّ إن جميع هذه المظالم لم تنجح في إشعال انتفاضة جديدة، ربما لأنه لم ينجم عن الانتفاضتين الأولى والثانية سوى تحسين أساليب السيطرة الإسرائيلية وتطويرها.
· قد يكون هذا هو السبب الذي يجعل المجموعات اليمينية في إسرائيل ترغب في نشوب انتفاضة ثالثة من خلال إدخال العنصر الديني إلى الصراع الدائر، وذلك كي يتمكنوا مرة أخرى من قمعها. فمن مصلحة اليمين اليوم نشوب مواجهة بينما العالم العربي غارق في الحرب الأهلية، كذلك من مصلحته قطف ثمار هذه المواجهة ديموغرافياً وإقليمياً من خلال الطرد الجماعي للفلسطينيين إلى الأردن، الذي هو في نظر العديد من المستوطنين "الدولة الفلسطينية".
· وعلينا ألاّ ننسى أن تيار اليمين، الذي رفع المستوطنات إلى درجة القداسة، هو البيت الطبيعي لنتنياهو وللأوساط العسكرية والمدنية الحاكمة اليوم. وعلى ما يبدو فإن الجدل الذي دار بشأن تدمير منازل حي هأولبانا هو مجرد خلاف تكتيكي على طريق الخطة الأساسية لقمع الانتفاضة الثالثة.
بناء على ذلك، ليس نتنياهو من يجب تحذيره من قبل الخبراء في الشرق الأوسط، وإنما ملايين الإسرائيليين الذين يطالبون بشقة للسكن وبالعيش الطبيعي، والذين يخطط عدد منهم للمشاركة في حركة الاحتجاج هذا الصيف. على هؤلاء الخبراء أن يحذروا الإسرائيليين من الخطر الذي تمثله حكومتهم.