قبيل زيارة الرئيس بوتين لإسرائيل: روسيا تعيد تموضعها في الشرق الأوسط
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       تأتي الزيارة المنتظرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإسرائيل في ظل التغيرات السياسية التي بدأت تبرز في شبكة العلاقات الخارجية لروسيا، والتي تعكس إلى حد كبير التبدلات التي طرأت في الآونة الأخيرة على الساحة الدولية. ويعطي النشاط الروسي المكثف على الساحة الدولية، الذي بدأ يظهر منذ تولي الرئيس بوتين منصب الرئاسة الروسية، الانطباع بأن موسكو بصدد إعادة صوغ سياستها من جديد، وأن للشرق الأوسط عامة وإسرائيل خاصة دوراً محدداً في هذا السياق. ومن المنتظر أن تتوضح جميع هذه الموضوعات خلال الزيارة المنتظرة.

·       لكن لا يبدو أن المسعى السياسي الأساسي لروسيا اليوم موجه نحو إسرائيل والشرق الأوسط عامة، وإنما نحو الغرب، وذلك في وقت تحولت فيه العلاقات الروسية - الأميركية إلى ساحة أساسية للمواجهة.

·       لقد بدأت الأزمة الحالية بين البلدين بسبب مشكلة الخطة الدفاعية ضد صواريخ حلف الأطلسي الباليستية (BMD)، وفي إثر اللقاء الفاشل بين حلف الأطلسي وروسيا في موسكو. ويبدو أن هذا اللقاء، الذي عُقد يوم تسلم بوتين منصبه الرئاسي، لم يؤد إلى التوصل إلى تفاهم بين الطرفين، وقد استغل الروس هذا الفشل لافتعال أزمة. ويأتي في هذا الإطار إلغاء بوتين مشاركته في قمة الدول الثماني G-8  التي عقدت في الولايات المتحدة، بما في ذلك لقاءه بالرئيس أوباما. في المقابل عقد الروس اجتماعات مكثفة مع حلفائهم الإقليميين (بيلاروسيا، وكازاخستان، والصين)، الأمر الذي يؤشر إلى العمل على تشكيل تحالف أوروبي - آسيوي، سبق أن تحدث عنه بوتين قبل انتخابه للرئاسة.

·       ولكن في المقابل أرسلت روسيا إشارات تعبر فيها عن رغبتها في الانضمام، بطريقة أو بأخرى، إلى حلف الأطلسي (ويمكن أن نربط هذا الأمر بقرار زيارة بوتين لألمانيا وفرنسا). فضلاً عن ذلك، شاركت روسيا بصورة فعالة في مفاوضات الدول الست الكبرى (خمسة زائد واحد) بشأن المشروع النووي الإيراني، وليس مستبعداً أن تقوم بطرح مبادرة تجبر إيران على تقديم تنازلات وعلى الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي. وما يعزز هذا الانطباع قرار عقد الاجتماع المقبل للدول الست مع إيران في موسكو في 18 حزيران/يونيو الجاري.

·       إن الخلاصة التي يمكن التوصل إليها هي أن روسيا بصدد الدفع نحو تسوية مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. وفي هذا الإطار يمكن الافتراض أن الثمن الذي سيُدفع في مقابل تنازلات معيّنة في موضوع صواريخ حلف الأطلسي الباليستية، وربما أيضاً في مقابل التفاهمات التي يمكن التوصل إليها مع حلف الأطلسي وفي مقابل التعاون معه، سيكون من خلال تقديم تنازلات في الشرق الأوسط، أي في الموضوعين الإيراني والسوري (ويمكننا منذ الآن ملاحظة تبدل اللهجة الروسية تجاه سورية).

·       وهكذا بدأ يبرز التداخل بين علاقة روسيا بالشرق الأوسط وبين علاقاتها الدولية. ففي إثر تزعزع مكانتها في المنطقة بسبب أحداث "الربيع العربي"، إذ خسرت كثيراً من نقاط قوتها التي عكفت على بنائها أعواماً طويلة، تجد روسيا نفسها اليوم في مواجهة تحدي صعود قوة الإسلام، وقد باتت معزولة في العالم العربي. عملياً، وجدت روسيا نفسها تدافع عن المعسكر الشيعي في مواجهة تزايد ضغط المعسكر السني، الذي تعتبره مدعوماً من الغرب. فضلاً عن ذلك، فإن خطر حلف الأطلسي لا يزال بالنسبة إلى روسيا يتمدد شرقاً، الأمر الذي يهدد وضعها الاستراتيجي في منطقة حدودها الجنوبية حيث تواجه تحدي المحور المعادي لروسيا وإيران، والذي يشمل دول المنطقة مثل جورجيا وأذربيجان، وذلك بدعم أميركي وتركي. كذلك تعمل تركيا ضد المصالح الروسية في جنوب القوقاز، وفي الشرق الأوسط، وأيضاً في منطقة البحر المتوسط، في مواجهة اليونان وقبرص، حيث تبذل روسيا جهوداً استراتيجية جديـــدة. ولا يمكـن تغييـب الموضـوع الاقتصادي، وذلــك فـي ظــل الخـلاف الروسي - التركي بشأن استخراج الغاز من البحر المتوسط، وسبل نقل مصادر الطاقة إلى أوروبا.

·       في ظل هذا الواقع الجديد، يبدو أن في مصلحة روسيا تغيير سياستها في الشرق الأوسط، وقد سُمعت أصداء عن هذا الموضوع في النقاشات الداخلية الروسية. ومن بين المسائل المطروحة للنقاس، ضرورة البحث عن بديل من المحور الراديكالي في الشرق الأوسط المدعوم من روسيا، والذي بدأ يتفكك أمام أعينها، وضرورة إيجاد وسائل جديدة للتأثير في هذه المنطقة الحيوية بدلاً من تلك التي خسرتها روسيا.

·       والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين موقع الموضوع الإسرائيلي في هذه التطورات؟ يبدو أن روسيا تجد نفسها في ظل هذا الواقع في مركب واحد مع إسرائيل، الأمر الذي يجعلها ترى فيها شريكاً مرغوباً فيه في المنطقة. ويمكن أن تشكل المصالح المشتركة التي تجمع بين البلدين في مجالات حيوية مثل المجال الاقتصادي (تحديداً في مجال استخراج الغاز)، والمجالين التكنولوجي والأمني قاعدة لهذه الشراكة، فضلاً عن الالتقاء في المصالح السياسية، ومن شأن ذلك كله المساهمة في تعميق التعاون السياسي.

·       يستخلص من ذلك، أن في مصلحة روسيا تشجيع التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل وتشكيل محور سياسي إقليمي جديد بمشاركة دول أخرى مثل اليونان وقبرص وربما بعض دول البلقان. وفي حال قيام مثل هذا المحور، فإنه سيسمح لروسيا بامتلاك أساليب تأثير جديدة قادرة على تحسين موقعها في الشرق الأوسط وفي الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وأن تشكل تحدياً لتركيا، وذلك من خلال إيجاد مجموعة مصالح بما فيها مصالح اقتصادية تتعلق بمصادر الطاقة. علاوة على ذلك، فإن هذا المحور لا يلغي التعاون الروسي القائم مع إيران وسورية، فمما لا شك فيه أن اعتماد روسيا على هذين المحورين سيعزز مكانتها في المنطقة، وسيخدم  تطلعها نحو الوصول إلى موقع متساو مع الولايات المتحدة.

ثمة اعتقاد في روسيا أن هناك برودة في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن في مصلحة إسرائيل تطوير تعاونها المستقل مع لاعبين جدد، الأمر الذي يسمح لها بالتأثير في موازين القوى في المنطقة لمصلحتها.