نقاش حول الغاز الطبيعي في إسرائيل والخلافات المتوقعة في شأنه
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       حسمت اللجنة الرباعية العليا المؤلفة من رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير المال ووزير المياه والطاقة وحاكم مصرف إسرائيل هذا الأسبوع، موضوع كمية الغاز الطبيعي المعدة للاستهلاك المحلي وقررت أنها ستكون نحو 60% من الغاز المكتشف، على أن يخصص الباقي للتصدير. وبذلك لم تتقيد اللجنة الرباعية بالتوصيات التي قدمتها لجنة تسيمح التي اقترحت تصدير نصف كميات الغاز المكتشفة بعد ضمان الاستهلاك المحلي حتى سنة 2040.

·       وطرح هذا القرار على الحكومة بحضور جميع أعضائها في 23 حزيران/يونيو ونال أغلبية ساحقة. لكنه وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة شكاً كبيراً أن ينهي هذا القرار الجدل العام الدائر حول هذا الموضوع.

·       ليس من الواضح ما هي اعتبارات اللجنة الرباعية، وما الفارق بينها وبين فرضيات العمل التي استندت إليها لجنة تسيمح. لكن ما يمكن قوله إن الضغط العام والتظاهرات المعارضة كان لها تأثيرها على الرغم من تباهي رئيس الحكومة بعدم خضوعه للضغط الشعبي. وصرح وزير المياه والطاقة بعد انتهاء المناقشات، بأن القرار نابع من الرغبة في تحصين الغاز الطبيعي لإسرائيل ثلاثين عاماً - أي ثلاثة أعوام أكثر من الاطار الزمني الذي أشارت إليه لجنة تسيمح. ومعنى ذلك زيادة كميات الغاز المخصصة للاستهلاك الإسرائيلي من 450 مليار متر مكعب، إلى 540 ملياراً.

·       وعلى الرغم من منطقية القرار، إلا أنه من الصعب أن نفهم سبب القلق العميق وراء اتخاذه ولا سيما أن دولة إسرائيل لم تتعرض منذ قيامها إلى أزمة في استهلاك الطاقة. وتجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع وكبار المسؤولين في الوزارة وفي الجيش، لم يشاركوا في النقاشات التي جرت ولا حتى وزير الشؤون الاستراتيجية. ومن غير الواضح ما إذا كان رئيس الحكومة القائم بأعمال وزير الخارجية، تطرق خلال نقاشات اللجنة الرباعية إلى الاعتبارات الاستراتيجية - السياسية على مدى الـ25 - 30 عاماً المقبلة.

·       ويتضح من خلال ما نُشر من نقاشات الرباعية، أنها أخذت في الحسبان حاجات الدول المجاورة لإسرائيل وبصورة خاصة الأردن، على أن هذا الموضوع طرح في المؤتمر الذي عقده معهد دراسات الأمن القومي (5-6 حزيران 2013 في تل ابيب)، كما طُرح على اللجنة الاقتصادية للكنيست. وخلال تلك النقاشات جرت الإشارة إلى ضرورة فصل ذلك عن مسألة تصدير الغاز. وكانت اللجنة الرباعية اتخذت قراراً يسمح منذ الآن بتوفير الاستهلاك الأردني من الغاز، لكن الحكومة قررت أيضاً وخلافاً للتوصية التي اتخذتها اللجنة الرباعية أن تقتطع الكميات المصدرة إلى الأردن من كميات الغاز المعد للتصدير.

·       هذا الاختلاف بين توصية الرباعية وقرار الحكومة ليس مهماً في المرحلة الحالية، لأنه يمكن ربط الأنبوب الذي يصل إلى  الجانب الإسرائيلي في البحر الميت بالمصنع الموجود في الجهة الأردنية من البحر فوراً. ويجري الحديث هنا عن نصف مليار متر مكعب سنوياً. لكن أي عملية جديدة لتزويد الأردن بكميات أخرى من الغاز ستكون مرتبطة بإقامة بنية تحتية ملائمة في الجانبين الأردني والإسرائيلي.

·       ومن بين المسائل التي لم يتوسع البحث فيها تلك المتعلقة بالعلاقات السياسية والاقتصادية لإسرائيل مع جيرانها. فعلى سبيل المثال، سيتأثر الغاز المكتشف في "المنطقة الاقتصادية الخاصة" الفلسطينية بالعلاقات العامة. ومن المنتظر أن ينشأ جدل بشأن صلاحيات الحكومة في غزة على خطوط الحدود البحرية. ويشير المنطق الاقتصادي إلى أن باستطاعة إسرائيل شراء الغاز الفلسطيني في غزة وتزويد فلسطينيي الضفة الغربية بالغاز. وبهذه الطريقة توفر إسرائيل انشاء شبكة تزويد تنطلق من غزة وتمتد 65 كيلومتراً. كما أن المخططات من أجل مدّ الأنابيب وسائر البنى التحتية بين غزة والضفة تتطلب نقاشات سياسية ستثير جدلاً إسرائيلياً داخلياً يتعلق بحقوق الاستثمار العقاري، ناهيك عن المسائل البيئية وغيرها.

·       كذلك شهدت تلك المرحلة نقاشات حول الأسواق التي تفضلها إسرائيل من أجل تسويق الغاز، وما إذا كان في الامكان استعمال الغاز المصدر في خدمة أهداف سياسية خارج إطار الربح التجاري المباشر.

·       لكن على ما يبدو، فإن كميات الغاز التي لدى إسرائيل وحتى تلك التي من المتوقع اكتشافها، ليست كبيرة كي تشكل عاملاً حاسماً في الاعتبارات السياسية البعيدة المدى لدول مثل الهند والصين وروسيا والاتحاد الأوربي.

·       ونشير هنا إلى أن شركة أسترالية كبيرة هي "وود سايد" [Wood Side] أصبحت الآن في المراحل المتقدمة من مفاوضات شراء ثلث أسهم مجموعة الشركات التي تملك حقوق استثمار حقول الغاز الكبرى في إسرائيل. كما أن شركة الغاز الروسية "بروم" توصلت إلى اتفاق مبدئي لشراء 84 مليار متر مكعب من الغاز من حقل "تمار".

 

·       لكن في ظل قرار زيادة كميات الغاز التي ستوضع في السوق الإسرائيلية، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان من الممكن تنفيذ هذا الاتفاق. ويشير الاهتمام الذي أظهرته عدة دول وكذلك بعض الشركات قبل اتخاذ الحكومة قرارها بشأن حجم التصدير، إلى ضرورة درس موضوع الغاز بصورة شاملة قبل أن تبدأ الشركات في توظيف أموالها وقبل أعمال التنقيب التي لا يمكن التراجع عنها.