· طوال أكثر من عام استمرت ببطء محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك أمام القضاء المصري، وكذلك محاكمة ولديه، علاء وجمال، وعدد من المقربين منه ومن كبار المسؤولين في عهده، وعلى رأسهم وزير الداخلية حبيب العادلي.
· في البداية لم يكن المجلس العسكري الأعلى، الذي يحكم مصر، يرغب في هذه المحاكمة، لكن ضغط الجمهور أجبر الجنرالات على تقديم مبارك، الذي عينهم في مناصبهم ورعاهم طوال أعوام، إلى قفص الاتهام.
· واليوم، وبعد مضي عام من التأجيل والتأخير، انتهت المحاكمة، وسارعت المحكمة إلى إعلان حكمها. لكن يبدو واضحاً أن انتهاء محاكمة حسني مبارك اليوم، عشية الدورة الثانية الحاسمة من الانتخابات الرئاسية المصرية، لم تكن محض صدفة.
· إن مصر ما بعد الثورة تختلف عن مصر التي تعودنا عليها، ويمكننا أن نصفق للقضاة على قرارهم الذي كتبوه بأنفسهم من دون ضغوط وإملاءات سياسية كتلك التي كانت موجودة في عهد مبارك. لكن على الرغم من ذلك، فإن للحكم دلالات عميقة ليس في إمكان أحد في مصر تجاهلها.
· لقد دان القضاة في قرارهم مبارك ووزير الداخلية، وبرأوا ابني مبارك وسائر المسؤولين السابقين، فأرادوا بهذه الطريقة التفريق والتمييز بين مبارك الرجل، وبين الجهاز الذي كان قائماً في ظل حكمه، والذي لا يزال موجوداً حتى اليوم، أي بعد أكثر من عام على الإطاحة بمبارك.
· فالرسالة واضحة، وهي أن هدف الثورة المصرية كان طرد مبارك، واليوم بعد الإطاحة به والحكم عليه بالسجن المؤبد، تكون الثورة قد حققت هدفها ووصلت بالتالي إلى نهايتها.
· فضلاً عن ذلك، فقد اتُهم مبارك بالتورط في قتل المتظاهرين في الأيام الأخيرة لحكمه، وكأن المشكلة لا تكمن في ثلاثين عاماً من الحكم الاستبدادي والفاسد، وإنما في الطريقة التي تصرف بها الرجل خلال أيامه الأخيرة. لهذا السبب جرت تبرئة المساعدين والمقربين الآخرين منه للتفريق بين الحاكم الفاسد، وبين النهج والجهاز الحاكم، اللذين حصلا على البراءة.
· إن حكم المحكمة من شأنه دعم خط أحمد شفيق، رجل الجهاز والنظام القديم، الذي يتنافس على منصب الرئاسة. ويبدو أن هذا هو الهدف المضمر لقرار المحكمة. فإذا كانت المشكلة مع مبارك الرجل لا مع نظامه، وإذا كان الغضب هو ضد ما فعله في الأيام الأخيرة من حكمه لا ضد ما قام به طوال 30 عاماً من توليه منصب الرئاسة، فلا مانع من انتخاب رجل مثل أحمد شفيق، الذي كان وزيراً في أغلبية حكومات مبارك، رئيساً للجمهورية.
إن قرار المحكمة المصرية سوف يتعرض هو أيضاً للمحاكمة، بعد أكثر من أسبوع، على يد الناخب المصري. إذا فاز شفيق، فذلك يعني أن الناخب المصري يريد انتهاء الثورة ويكتفي بمعاقبة مبارك. أمّا في حال فوز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي فهذا يعني أن الثورة لن تنتهي في وقت قريب، وأن الحكم على مبارك لا يشكل نهاية مطالب الجمهور والشارع.