· ...... يشير الإحصاء البسيط لنسبة الذين اقترعوا لمصلحة المرشحين الإسلاميين في مصر، أو المرشحين المقربين منهم، في الدورة الأولى من الانتخابات، إلى أن مرشح النظام السابق أحمد شفيق ليس لديه حظوظ في الفوز، أو حتى في "الخسارة بكرامة" في الدورة الثانية من الانتخابات التي ستجري في 16 و17 حزيران/يونيو، والتي سيتنافس فيها شفيق مع محمد مرسي، المرشح الإسلامي الراديكالي الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر. إذ إن حدوث تطور غير متوقع هو وحده الكفيل بتغيير الصورة الناشئة في مصر، ومن المنتظر، بدءاً من نهاية حزيران/يونيو، أن يتولى رئيس إسلامي راديكالي رئاسة أكبر دولة عربية، تعاونه سلطة تشريعية أكثر من ثلثي أعضائها من المسلمين المتفاوتين في درجة راديكاليتهم.
· مما لا شك فيه أن هذه التطورات في مصر لا تبشر بالخير، لا بالنسبة إلى إسرائيل ولا بالنسبة إلى مصالح الغرب في منطقتنا. وعلى الرغم من ذلك، ليس في إمكان الإدارة الأميركية، المشغولة بمعركة الانتخابات الرئاسية والفخورة بإخراج جنودها من العراق، إلاّ احترام إرادة الشعب المصري والتعاون مع النظام الجديد بغض النظر عن هويته.
· تنتهج دولة إسرائيل بزعامة نتنياهو سياسة حذرة وحكيمة تجاه مصر تعكس بصورة واضحة رغبتها في أن يواصل النظام الجديد هناك التزامه باتفاق السلام الموقع معها في سنة 1979. فلا مصلحة لإسرائيل ولا للولايات المتحدة في التشديد على المخاطر التي ينطوي عليها صعود نظام إسلامي في مصر.
· لكن على الرغم من ذلك، من المتوقع أن تتحول مصر في المدى المباشر إلى عبء اقتصادي على المجتمع الدولي، إذ عليها أن تبلّغ صندوق النقد الدولي، في 30 حزيران/ يونيو، موافقتها على سلسلة من الخطوات التقشفية من أجل حصولها على مساعدة اقتصادية. ومن الصعب أن يوافق الحكم الجديد على ذلك، فعملياً لا يستطيع الرئيس الجديد أن يضع خطة اقتصادية جديدة خلال أسبوعين. كذلك فإن من مصلحة النظام الجديد التركيز على مشكلة الفقر، وعلى اتهام مجلس الثورة، الذي يسيطر اليوم على الحكم، بأنه هو المسبب له، وبأنه استمرار للفساد الذي كان سائداً في عهد مبارك.
· فضلاً عن ذلك، وبسبب الوضع الاقتصادي السائد اليوم في الولايات المتحدة وفي أوروبا، من الصعب، لا بل من المستحيل، إيجاد مصادر للمساعدة الخارجية، باستثناء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. من هنا فإن عدم وجود خطة اقتصادية مصرية سيزيد في عمق الأزمة الاقتصادية التي يعبر عنها تخفيض درجة التصنيف الإئتماني، وتبعاً لذلك صعوبة الحصول على قروض خارجية.
· قد تساهم الأزمة الاقتصادية الداخلية والمحاكمات التي تجري ضد مسؤولي النظام السابق وضد زعماء المجلس الثوري في تهدئة الرأي العام المصري، لكن بعد الانتهاء من تحميل جهات داخلية المسؤولية عن الوضع، سيبدأ توجيه أصبع الاتهام إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
· لكن ينبغي ألاّ نرتكب خطأ الاستنتاج بأن تدين زعماء الجمهورية الإسلامية في مصر لا يسمح لهم بمعرفة الخطوات المطلوبة كي يحصل نظامهم على الشرعية الدولية. فمنذ أواسط التسعينيات استخدمت الزعامة الإسلامية التطورات التكنولوجية من أجل نشر الدعوة الإسلامية الراديكالية، وهي تعرف جيداً ما هي نقاط القوة وما هي نقاط الضعف.
· بناء على ذلك، من الصعب أن تسارع هذه الزعامة إلى إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل. لكنها في المقابل قد تضغط على الولايات المتحدة، بهدف "تحقيق الاستقرار في المنطقة"، من أجل إدخال تغييرات جوهرية على هذا الاتفاق من شأنها أن تفرغه من مضمونه بالتدريج.
يتعلم كل طالب في العلاقات الدولية أن أغلبية الثورات في العالم، منذ الثورة الفرنسية، تحمل في طياتها حرباً شاملة بعد مرور خمسة أعوام على قيامها، وذلك من أجل توحيد الشعب حول النظام الجديد أو من أجل إظهار الفرق بينه وبين النظام القديم. وعلى إسرائيل أن تحفظ هذا الدرس جيداً فور الانتهاء من الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية.