أسعار النفط المرتفعة لسنة 2011: أسبابها وانعكاساتها الاقتصادية*
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– "اقتصادي"، مجلد 1، عدد 1، نيسان/أبريل 2011
المؤلف

منذ بداية سنة 2011 ارتفع سعر سلة خامات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ([1])  بمقدار 28 دولاراً ليستقر عند معدل 118 دولاراً أميركياً في 6 نيسان/أبريل. ويمثّل هذا المعطى زيادة بنسبة 30٪ ونيف خلال ستة أشهر، ومعدلاً يزيد على ضعف معدل السعر الوسطي لسنة 2005، وعلى أربعة أضعاف معدل سعر سلة أوبك قبل عشرة أعوام.

تختلف أسباب ارتفاع أسعار النفط في الوقت الحالي عن أسباب ارتفاعها في سنة 2008. ففي تلك السنة ارتفع سعر سلة خامات أوبك بنسبة 37٪ مقارنة بمستواه في سنة 2007، وذلك بسبب زيادة الطلب العالمي على النفط في ظل القيود المفروضة على العرض. فقد كان لأوبك قدرة محدودة على تعديل سقف إنتاجها لتلبية الطلب الكبير على النفط، الأمر الذي أفضى إلى ارتفاع الأسعار، ويُعزى هذا الطلب الكبير، أساساً، إلى نمو الاقتصاد الصيني المتسارع. إن الارتفاع الحالي في الأسعار لم ينتج من الطلب الكبير على النفط فحسب ـبقيادة الصين أيضاً هذه المرة- بل هو ناتج أيضاً من القلق بشأن استقرار إمدادات النفط الشرق أوسطي، كذلك القلق بشأن سلامة المرور في قناة

السويس. فإمدادات النفط في ليبيا تعاني من الاضطراب، وهناك مخاوف بشأن استقرار كل من الجزائر والعربية السعودية، ومن شأن عدم الاستقرار في البحرين أن يهدد إمدادات النفط في منطقة الخليج الفارسي برمتها. وعلى الرغم من أن البحرين تنتج كمية قليلة من النفط، إلاّ إن أهميتها الاستراتيجية تنبع من موقعها الجغرافي في الخليج الذي يزوّد بما نسبته 18٪ من الإنتاج العالمي من النفط، كما أن البحرين هي قاعدة للأسطول الأميركي الخامس.

في سبعينيات القرن الماضي، تركز الإنتاج العالمي من النفط في منطقة الخليج الفارسي. ومنذ ذلك الحين، ازداد حجم إنتاج النفط خارج إطار أوبك، أي من حقول النفط في أميركا اللاتينية وفي غرب إفريقيا، وفي بحر الشمال. وفي سنة 2009، تخطّى إنتاج روسيا إنتاج العربية السعودية فأصبحت أول مورِّد للنفط في العالم. وهبطت حصة أوبك من إنتاج النفط العالمي من 54٪ في أواسط سبعينيات القرن الماضي إلى أكثر قليلاً من 40٪ في الوقت الحالي.([2])

على الرغـم من ذلـك، حافظت منظمـة أوبـك (وبشكـل رئيسي العربية السـعودية) على مكانتهـا كـ marginal producer ([3])  للنفط الخام في الأسواق العالمية، أي المنتج القادر على تحقيق التوازن، بقدر معين، بين الطلب والعرض، عن طريق ملاءمة حجم إنتاجها لمقتضيات السوق. أمّا الآن فحالة الأسواق متقاربة، والمخزون الكبير الذي تراكم خلال فترة التباطؤ الاقتصادي في سنتي 2008 - 2009 بدأ ينضب، في الوقت الذي تتعافى فيه اقتصادات البلاد المتطورة من حالة الانكماش الاقتصادي ويستمر الاقتصاد الآسيوي في التعاظم. وقد ازداد الطلب العالمي على النفط بمقدار 2,7 مليون برميل يومياً في العام الماضي (أي بنسبة تزيد على 3٪) وفق بيانات وكالة الطاقة

الدولية([4])  التي توقعت أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1,7 مليون برميل يومياً هذا العام. إن حقيقة أن لدى أوبك اليوم طاقة إنتاجية غير مستغَلة تقدر بنحو 5 مليون برميل يومياً، مقارنة بنحو مليوني برميل يومياً في سنة 2008، لا تساعد في طمأنة المخاوف، على الأقل هذا ما يبدو عليه الحال في بورصة المبادلات الفورية ((spot market، ويعود ذلك إلى أن الطاقة الإنتاجية غير المستغَلة مكونة أساساً من الخام الثقيل المشبع بالكبريت (نفط خام حامض)،([5])  وإلى تكاليف تكريره العالية، في حين أن كلفة تكرير الخام الليبي الخفيف (نفط خام حلو)،([6])  الذي توقف إمداده، هي أدنى بكثير. وهناك سبب آخر يتمثل في أن الطاقة الإنتاجية غير المستغَلة تتركز أساساً في العربية السعودية، وهناك خوف متزايد على استقرار المملكة.

إن الاقتصاد العالمي هو اليوم أكثر استعداداً للتعامل مع أسعار النفط المرتفعة لفترة أطول مما كان عليه الحال في سبعينيات القرن الماضي، وذلك بفضل تطوير تكنولوجيات التوفير في استخدام الطاقة، وبفضل الحقول النفطية الجديدة. مع ذلك، خلّفت أزمة سنة 2009 دولاً عديدة مثقلة بعبء الديون، وبعجز في الميزانية، وبمعدلات تضخم مرتفعة، وبالتالي بقدرة أقل على التعامل مع أسعار النفط المرتفعة.

إن المواجهات في ليبيا ـ الدولة ذات الشأن في مجال تصدير للنفط ـ أثّرت في الاقتصاد العالمي أكثر مما أثّرت فيه الاضطرابات في كل من تونس، ومصر، واليمن، والبحرين، إذ تنتج ليبيا 1,7 مليون برميل يومياً، أي نحو 2٪ من إنتاج النفط العالمي، ويُباع معظم النفط الليبي إلى البلاد الأوروبية، وبشكل رئيسي إلى إيطاليا، كذلك يُباع إلى الصين. ويعتبر المحلّلون أن الأحداث في ليبيا أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بمقدار

يتراوح بين 15 و20 دولاراً للبرميل الواحد. ويزيد كل ارتفاع بمقدار دولار أميركي واحد في سعر برميل النفط في مقدار العائدات النفطية لدول الشرق الأوسط الأعضاء في منظمة أوبك (باستثناء ليبيا حالياً) بنحو 23 مليون دولار في اليوم، وبنحو 10,7 مليار دولار في العام. وفي ضوء زيادة سعر برميل النفط بمعدل 28 دولاراً، تبلغ قيمة الإيرادات النفطية الإضافية لدول الشرق الأوسط الأعضاء في منظمة أوبك نحو 643 مليون دولار أميركي في اليوم، وستبلغ قيمتها السنوية الإجمالية نحو 235 مليار دولار أميركي في سنة 2011 في حال بقيت أسعار النفط على مستوياتها الحالية.

وكان للتغيير في العائدات النفطية الإضافية أثر أقوى بكثير أحياناً، ولا سيما أن المملكة العربية السعودية زادت إنتاجها من النفط اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2011 بمقدار لا يقل عن 700 ألف برميل في اليوم وفق بعض التقديرات، ليستقر إنتاجها على أكثر من 9 مليون برميل في اليوم. ويعتقد السعوديون أن دولتهم تحتفظ بالقدرة على إنتاج كمية كبيرة إضافية، فإذا كان سعر برميل النفط  118 دولاراً أميركياً، يؤدي إنتاج 700 ألف برميل نفط إضافي في اليوم إلى زيادة في العائدات النفطية بمقدار 30 مليار دولار أميركي في السنة. وقد سهّل ارتفاع العائدات إعلان الملك عبد الله بن عبد العزيز برنامج تقديمات اجتماعية كبيرة لرعاياه، الأمر الذي يهدف إلى منع وصول موجة الاحتجاجات في المنطقة إلى المملكة. ولا شك في أن زيادة العائدات جعلت إعلان برنامج كهذا أمراً ملحاً.

إن إيران هي أولى المستفيدين من هذه التطورات، وهي لا تستطيع، خلافاً للعربية السعودية، زيادة إنتاجها من النفط، إلاّ إنها غير مضطرة لذلك نظراً إلى أسعار النفط المرتفعة الحالية. فكل زيادة بمقدار دولار أميركي واحد في أسعار النفط ترفع عوائدها بمقدار 3,6 مليون دولار في اليوم، وبالتالي بمقدار 1,3 مليار دولار في السنة. وتجني إيران من ارتفاع أسعار النفط الحالية زيادةً في إيراداتها النفطية بمقدار 100 مليون دولار في اليوم، أي بمقدار 37 مليار دولار في السنة. وبالتالي فإن أحد الآثار الاستراتيجية الخطيرة لارتفاع أسعار النفط هو تراجع فعالية العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. فقبل الارتفاع الحالي الكبير في أسعار النفط، كان يبدو واضحاً تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في الاقتصاد الإيراني.

ويستفيد العراق أيضاً من ارتفاع أسعار النفط. فإنتاج النفط العراقي محدود مثلما هو الحال في إيران، إلاّ إن الأسباب مختلفة. ومن شأن الزيادة في عائدات النفط أن تحفّز اتفاق المجموعات العراقية المختلفة على توزيع العوائد النفطية فيما بينها. لكن يبقى النزاع الرئيسي القائم بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد معلقاً وبلا حل.

إن بعض الدول العربية هي دول مستوردة للنفط، مثل مصر التي تنتج كمية نفط قليلة نسبياً. وتدفع هذه الدول مبالغ كبيرة في مقابل مستورداتها النفطية، الأمر الذي يرفع معدلات التضخم ويزيد في عجز ميزان مدفوعاتها. كذلك تُعتبر هذه الدول غير قادرة على التعامل كما يجب مع الضغوط الإضافية، فقد تحمّلت مصر خسائر كبيرة جراء الانتفاضة الشعبية، فهبطت عوائد السياحة، وتضرر الإنتاج في جميع فروع الاقتصاد بسبب الإضرابات والتظاهرات. كذلك يعاني الاقتصاد الأردني من وضع دقيق على الدوام، فقد أدت البطالة والغلاء إلى حدوث تظاهرات مطلبية. أمّا تونس والمغرب فهما منتجان متواضعان للنفط، وسيتأثر الوضع السياسي في الدولتين بارتفاع اسعار النفط الذي سيفاقم الأوضاع الاجتماعية - الاقتصادية. إلاّ إن دول الشرق الأوسط كلها ستعاني من تراجع أوضاع الاقتصاد العالمي نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وإن كان هذا التراجع سيؤدي في نهاية المطاف إلى كبح جماح هذه الأسعار.

حقق استهلاك النفط العالمي حالياً مستويات قياسية، فوصل إلى نحو 88 مليون برميل في اليوم. وتعد روسيا والعربية السعودية أكبر منتجَيْن للنفط، وهما تزودان، معاً، السوق بنحو ربع إمدادات النفط. كذلك تملك العربية السعودية أكبر احتياطي مؤكد من النفط، وهي الدولة الوحيدة التي لديها فائض كبير في الطاقة الإنتاجية. وقد أثيرت شكوك في حجم احتياطي العربية السعودية من النفط وفي قدرتها الإنتاجية.([7])

وتؤدي التوقعات دوراً مركزياً في تحديد سلوكيات المستهلكين وأسعار النفط. وقد زاد التسونامي والهزة الأرضية اللذان ضربا اليابان مؤخراً، ولا سيما مفاعلات الطاقة

النووية فيها، في الشكوك بشأن جدوى الطاقة النووية كإحدى بدائل مصادر الطاقة من نفط وغاز في أنحاء العالم كافة. إذ تضغط هذه الأمور كلها بقوة على أسعار النفط.

إن إحدى أهم نتائج ارتفاع أسعار النفط هي التأثير في أسعار الغذاء، وهناك جملة من الأسباب أدت إلى ذلك، هي: أولاً، ارتفاع أسعار القروض الزراعية والصناعية - الغذائية؛ ثانياً، ازدياد تكاليف شحن المحاصيل والمنتوجات الغذائية ونقلها؛ ثالثاً، ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي شجع على تطوير إنتاج الوقود الحيوي bio-fuels([8]).  وهذه التطورات جميعها أدت إلى الاستحواذ على الأراضي الزراعية المخصصة لمحاصيل غذائية.([9])

ارتفع مؤشر أسعار الغذاء الذي يصدره البنك الدولي([10])  بنسبة 15٪ بين تشرين الأول/أكتوبر 2010 وكانون الثاني/يناير 2011. وإذا استمر هذا المنحى بالوتيرة نفسها خلال عام كامل، سيصل ارتفاع الأسعار إلى نسبة 75٪. كذلك سجّل سعر القمح أعلى وتيرة ارتفاع، فقد تضاعف معدّله بين حزيران/يونيو 2010 وكانون

الثاني/يناير 2011، وارتفعت أسعار الذرة أكثر من 70٪، كما سجّلت أسعار السكر وزيوت الطعام وسلع غذائية أخرى ارتفاعاً حاداً. ونتيجة ذلك، واعتباراً من حزيران/يونيو 2010، أصبح 44 مليون إنسان في الدول النامية تحت خط الفقر.([11])

تتأثر دول الشرق الأوسط بأزمة الغذاء العالمية لأنها دول مستوردة، بشكل كبير، للغذاء، فهي تعتمد على الاستيراد لتأمين أكثر من 50٪ من حاجاتها الغذائية. ويتراوح صافي الاستيراد من الغذاء  بين 5 و10٪ من إجمالي المستوردات، ويشكل القمح أهم منتوج غذائي مستورد. وتلبي دول الخليج حاجاتها من المنتوجات الغذائية عن طريق الاستيراد، لكنها تتكىء على أرباحها النفطية. وفي اليمن حيث يعيش 40٪ من السكان تحت خط الفقر يتم استيراد 80٪ من الحبوب.
يتأثر العديد من سكان الشرق الأوسط بزيادة أسعار السلع الغذائية لأنهم ينفقون نسبة عالية من مداخيلهم على الغذاء. إذ ينفق المصريون نحو 40٪ من مداخيلهم الشهرية على المواد الغذائية، أي أكثر من سكان أي دولة نامية أخرى، مقارنة بنسبة 17٪ في البرازيل، و20٪ في الصين وفي العربية السعودية.

ويفرض ارتفاع الأسعار في دول عديدة عبئاً ثقيلاً على الميزانيات الحكومية لأن السلع الغذائية الأساسية مدعومة. ففي حين تدعم الحكومة المصرية أسعار الخبز والمواد الغذائية الأساسية الأخرى لإعانة الفقراء، تشتري أغلبية المصريين كمية من الخبز تفوق الكمية المشمولة بالدعم، لذا هم مكشوفون إزاء ارتفاع أسعار القمح العالمية.

وقد اتخذت عدة دول تدابير تهدف إلى امتصاص غضب المواطنين، فأعلنت الحكومة السورية في شباط/فبراير 2011 خفض الضرائب على السلع الغذائية الأساسية والضرائب الجمركية على المستوردات الغذائية للتعويض عن ارتفاع أسعار الغذاء، ولمساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض. وبدأ صندوق المعونة الاجتماعية السوري([12])  

توزيع مساعدات نقدية بقيمة 250 مليون دولار على 420 ألف أسرة فقيرة. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يعيش 14٪ من سكان سورية الذين يبلغ عددهم 22 مليون نسمة في حالة الفقر، وتنفق الأسر السورية، بمعدّل وسطي، نحو 50٪ من مدخولها على الغذاء. كذلك نال مواطنو الكويت هبات مالية ومخصصات غذائية مجانية في شباط/فبراير 2011،([13])  ولكن يهدد برنامج الهبات المالية بتسريع معدلات التضخم بالتوازي مع زيادة الطلب. وفي الشهر ذاته، أعلن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز تقديم حزمة من العطايا للسكان بقيمة إجمالية تبلغ 35 مليار دولار، من ضمنها تعويضات بطالة للعاطلين عن العمل.

أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في سنة 2010 أن 35 مليون نسمة من سكان الدول العربية (أكثر من 10٪ من إجمالي عدد سكان الدول العربية) يعانون من الجوع، ويعكس هذا الرقم زيادة بمقدار 4 مليون نسمة منذ سنة 2008. وترتفع وتيرة ظاهرة الجوع بصورة خاصة في اليمن حيث يعاني أكثر من 32٪ من السكان من الجوع، وفي السودان حيث يعاني أكثر من 21٪ من السكان من الجوع.([14])

تستورد الدول العربية أكثر من 50٪ من استهلاكها من المنتوجات الغذائية. وخلال الأعوام الثلاثين المنصرمة، انخفض إنتاج الحبوب للفرد بنسبة 0,3٪ في العام الواحد، بينما ارتفع استهلاك الحبوب بنسبة 0,6٪ في العام الواحد، علماً بأن الحبوب هي الغذاء الأساسي في البلاد العربية. وبلغت كلفة استيراد الحبوب في مجمل المنطقة نحو 26 مليار دولار في الفترة بين 2007/2008، مقارنة بـ 11 مليار دولار في الفترة بين 2003/2004.([15])  ثم إن الفجوة في الحصول على الغذاء فيما بين دول الجامعة العربية كبيرة، وهي تتفاقم في المناطق التي تشهد اضطرابات، أو المحاذية لها، كالعراق، ولبنان، وغزة، والصومال، وليبيا.

أضف إلى ذلك أن الأزمة الاقتصادية العالمية تنطوي على انعكاسات خطيرة على الأمن الغذائي لدول كثيرة في المنطقة. ومن شأن صعوبة فتح اعتمادات بالنسبة إلى بعض هذه الدول أن يحدّ من قدرتها على تمويل استيراد الغذاء. كذلك سيصعب على بعض الدول العربية تمويل استيراد الحبوب عبر الاستدانة، وقد تقع تحت ضغوط مالية متزايدة في هذا الشأن.

يتزايد خطر انعدام الأمن الغذائي في الدول العربية نتيجة عوامل الطلب والعرض. إن ظاهرة العمران (المتصلة عموماً بتحويل الأراضي الزراعية إلى أرض مخصصة للإسكان)، وزيادة عدد السكان، وارتفاع العائدات، هي من مسبّبات استمرار تنامي الطلب على الغذاء. وفي المقابل، تحدّ القيود المفروضة ((constraints على العرض من قدرة البلاد العربية على زيادة إنتاجها من الحبوب.([16])  وتشكل محدودية الأراضي والموارد المائية عقبة رئيسية أمام زيادة الإنتاج الزراعي في الدول العربية. كما أن الأراضي الزراعية الخصبة قليلة جداً، والأراضي القليلة الباقية الملائمة للزراعة تتراجع نوعيتها بسرعة جراء التوسّع العمراني، وتآكل التربة، وزيادة ملوحتها.

أخيراً، يشكل ارتفاع أسعار الغذاء نوعاً من أنواع الضرائب،  فالدول التي تستورد الغذاء، ومن ضمنها دول كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، ستدفع مبالغ أكبر إلى مصدّري الغذاء الكبار، كذلك سيدفع هؤلاء المصدّرون مبالغ أكبر في مقابل الوقود المستخدم في إنتاج الغذاء. وبالتالي، سيعود جزء من المبالغ المدفوعة إلى منطقة الشرق الأوسط، لكن ليس إلى الدول الفقيرة التي لا يعتدّ بها كدول مصدِّرة للنفط والتي تعتمد كثيراً على استيراد الغذاء. وبقدر ما ستؤدي زيادة أسعار الغذاء التي ستستمر في الارتفاع أكثر فأكثر إلى مزيد من التوترات ومن انعدام الاستقرار داخل دول المنطقة، فإن أسعار النفط ستبقى مرتفعة، الأمر الذي سيحول دون انخفاض أسعار الغذاء.

 

 

_________

* ترجمته عن العبرية يولا البطل.

 

([1]) تضم سلة أوبك التي تُعدّ مرجعاً في مستوى سياسة الإنتاج 12 نوعاً، هي: خام صحارى الجزائري والإيراني الثقيل والبصارة العراقي وخام التصدير الكويتي وخام السدر الليبي وخام بوني النيجيري والخام البحري القطري والخام العربي الخفيف السعودي وخام مريات والخام الفنزويلي وخام جيراسول الأنغولي وخام أورينت الإكوادوري. وقد أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في 13 أيار/مايو 2011 أن سعر سلة خاماتها الـ 12 تراجع إلى حدود أربعة دولارات و15 سنتاً ليستقر عند معدل 107,20 دولار للبرميل. وذكرت نشرة وكالة أنباء أوبك أن المعدل السنوي لسعر السلة لسنة 2010 بلغ 77,45 دولاراً للبرميل. ومن المقرر أن تعقد منظمة أوبك اجتماعها الوزاري العادي في الثامن من شهر حزيران/يونيو المقبل للبحث في تعديل سقف إنتاجها الحالي البالغ 29 مليون برميل في اليوم. وأشارت المنظمة في تقريرها الأخير إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزيد بمقدار 1,4 مليون برميل يومياً هذا العام، لافتة إلى قيام المنتجين برفع معدلات إنتاجهم لتعويض النقص الناجم عن الاضطرابات في ليبيا. (وكالة الأنباء الكويتية – "كونا"، فيينا في 13 أيار/مايو 2011) (المترجمة).

([2]) عن أسباب ارتفاع أسعار النفط في بداية سنة 2011 قال دافيد فايف، رئيس قطاع النفط والأسواق في وكالة الطاقة الدولية، إن "الحكومات في روسيا والبرازيل والصين تواجه صعوبات في تحميل المستهلك ارتفاع الأسعار بالكامل، الأمر الذي يساعد في الإبقاء على نمو الطلب القوي خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية....ما دام هناك دعم للأسعار في هذه الأسواق الناشئة يمكن أن يستمر نمو الطلب حتى في مواجهة ارتفاع أسعار النفط فوق مستوى مئة دولار للبرميل". (نشرة "الرؤية الاقتصادية" الإماراتية، نقلاً عن "رويترز"، الجمعة 13 أيار/مايو 2011) (المترجمة).

([3]) نسبةً لمفهوم "الكلفة الهامشية لوحدة إنتاج إضافية"، والمقصود بذلك أن المنتِج يستطيع زيادة إنتاجه من دون تكاليف استثمارية إضافية. ويقال أيضاً swing producer لوصف دور العربية السعودية في منظمة أوبك، إذ تخفّض إنتاجها عندما يتجاوز أعضاء أوبك الآخرون حصصهم الإنتاجية للحؤول دون هبوط الأسعار، وتزيد في إنتاجها لكبح ارتفاع الأسعار. (الـ "غارديان" البريطانية، 8/2/2011) (المترجمة).

([4])International Energy Agency وهي وكالة تابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD. تقدم وكالة الطاقة الدولية المشورة إلى 28 دولة صناعية بشأن سياسات الطاقة. وتنشر الوكالة تقارير شهرية عن أسعار النفط وأوضاع العرض والطلب والاستهلاك في دول المنظمة وفي العالم. وفي تقريرها الصادر في 12 أيار/مايو 2011، توقعت الوكالة أن يرتفع الطلب على النفط من 87,9 مليون برميل في اليوم في سنة 2010 إلى 89,2 مليون برميل في اليوم في سنة 2011، أي بزيادة 1,5٪ فقط. وخفّضت الوكالة توقعها لنمو الطلب العالمي على النفط في سنة 2011 بسبب استمرار ارتفاع الأسعار وتراجع توقعات النمو في الاقتصادات المتقدمة. وقالت إن أسعار النفط المرتفعة قد تحد من الانتعاش الاقتصادي الهش. (نشرة "الرؤية الاقتصادية"، المصدر نفسه) (المترجمة). 

([5])  Sour crude oil الذي يحتوي على نسبة أكثر من 0,5٪ من الكبريت (المترجمة).

([6])  Light sweet crude oil  الذي يحتوي على نسبة أقل من 0,5٪ من الكبريت، وهو عالي الجودة وعليه طلب كبير في البلاد الصناعية. ويسمّى "خام حلو" بسبب تذّوق مستكشفي النفط في القرن التاسع عشر طعم ورائحة الخام لتحديد جودته وخلوه من الكبريت (المترجمة).

([7])  يقدّر الاحتياطي المؤكد من النفط في العربية السعودية بنحو 265 بليون برميل من النفط الخام، أي ما نسبته 20٪ من الاحتياطي العالمي المؤكد. وصل إنتاج النفط السعودي إلى 10,121 مليون برميل يومياً في شباط/فبراير 2011، مقارنة بـ 10,124 مليون برميل يومياً للإنتاج الروسي، وكالة "انفستوبيديا"، سان فرنسيسكو كرونيكل، 23/3/2011. وتجدر الإشارة إلى أن إحدى وثائق ويكيليكس المنشورة ذكرت أن السعوديين بالغوا في تقدير حجم الاحتياطي النفطي غير المؤكد recoverable oil reserves بنحو 300 بليون برميل من النفط الخام بهدف تشجيع الاستثمار. (الـ "غارديان"، 8/2/2011) (المترجمة).

([8]) الوقود الحيوي هو الطاقة المستمدة من الكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية، وهو أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة، وذلك خلافاً للوقود الأحفوري من نفط وفحم حجري. بدأت بعض الدول بزراعة أنواع معينة من النباتات خصيصاً لاستخدامها في مجال الوقود الحيوي. وتستخدم البرازيل قصب السكر لإنتاج وقود الإيثانول كوقود حيوي منذ سنة 1970، وهي تعتبر رائدة في مجال صناعة الطاقة الحيوية. ويرتكز نجاح واستدامة إنتاج وقود الإيثانول الحيوي البرازيلي على استخدام أكثر الوسائل كفاءة في تقنيات زراعة قصب السكر في العالم، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج وقود ذي سعر تنافسي ومردود طاقي عالي. وتستخدم الولايات المتحدة الأميركية الذرة وفول الصويا لإنتاج وقود أقل كفاءة. وفي الهند تزدهر محاصيل الجاتروفا jatropha التي تستخدم ثمارها لإنتاج الديزل الحيوي. ويتغلب السورغوم على سائر محاصيل الوقود الحيوي لأن سيقانه فقط تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي، في حين يتم حفظ بذوره لعلف الماشية أو الغذاء. ويفتح الوقود الحيوي آفاقاً جديدة من المنافسة في أسواق النفط بسبب الاعتدال في أسعاره. وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن تداول النفط الخام سيزداد بنسبة 15٪، والبنزين بنسبة 25٪ في حالة عدم وجود الوقود الحيوي. (موقع “Biofuels Central-The Brazil Institute”، وعن تقرير “UNEP” بشأن تقييم الوقود الحيوي) (المترجمة).

([9]) بشأن قضية الوقود الحيوي ضد الغذاء، أشار تقرير للبنك الدولي نشر في تموز/يوليو 2008 إلى أن إنتاج الإيثانول البرازيلي من قصب السكر لم يُؤد إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ونشر تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD في الفترة نفسها يوافق تقرير البنك الدولي. كذلك خلص تقرير برازيلي إلى أن المسبب الرئيسي لارتفاع أسعار المواد الغذائية في سنتي 2007 و2008، كان نشاط المضاربة في أسواق المال في ظل زيادة الطلب في السوق وانخفاض مخزونات الحبوب. (الـ"غارديان" البريطانية، 4/7/2011) (المترجمة).

([10])World Bank’s Food Price Index، وقد حذّر روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي في نيسان/أبريل 2011 من أزمة غذائية مشابهة لأزمة سنتي 2007- 2008، قائلاً إن عشرة مليون إنسان آخرين سيصبحون سنة 2011 تحت خط الفقر، زيادة على 44 مليون إنسان أصبحوا تخت خط الفقر في سنة 2010. ("كولور لاينز"، 22/4/2011؛ "هفنغتون بوست"، 23/4/2011؛ "نيوزفيد"، 26/4/2011) (المترجمة).

([11])  ارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة 7٪ في شباط/فبراير 2011 وبلغ سعر طن القمح الأميركي باب ثاني في آذار/مارس 2011 نحو 333 دولاراً أميركياً. لكن هذا السعر هو أقل بنحو 40٪ مقارنة بما كان عليه في شباط/فبراير 2008. (التقرير الفصلي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو): Crop Prospects and Food Situation، العدد1، آذار/مارس 2011) (المترجمة).

([12])   تأسس "الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية" بموجب مرسوم تشريعي رقم 9 صادر في 13/1/2011 بصفته "الجهة الوحيدة المعنية بوضع وتنفيذ برامج المعونات التي تستهدف الفئات الفقيرة والهشة". وكشفت وزيرة الشؤون الاجتماعية السورية أن المرسوم يشمل 420 ألف أسرة وأن الكلفة التقديرية للمعونات النقدية التي ستصرف خلال هذا العام تبلغ ما بين 10 و12 مليار ليرة سورية (بين 200 و240 مليون دولار أميركي). (وكالة الأنباء السورية- سانا، 14/1/2011) (المترجمة).

([13]) أمر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في 17/1/2011 بصرف منحة مالية للمواطنين بقيمة إجمالية تبلغ 4 مليارات دولار وبتقديم الغذاء مجاناً لمدة 14 شهراً لحاملي البطاقة التموينية. (وكالة الأنباء الكويتية - كونا، 18/1/2011) (المترجمة).

([14]من أصل 21,6 مليون نسمة في اليمن، يعاني 6,7 مليون نسمة من سوء التغذية. ومن أصل 39,6 مليون نسمة في السودان، يعاني 8,8 مليون نسمة من سوء التغذية. FAO Crop Prospects &Food situation) ، آذار/مارس 2011) (المترجمة).

([15])   المقصود بذلك هي السنة الحصادية أو السنة التسويقية للحبوب التي تعتمدها الفاو والتي تنتهي في آخر شهر حزيران/يونيو من السنة (المترجمة).

([16])   تعتبر مصر من البلاد العربية الرائدة في إنتاج القمح وسيبلغ إنتاجها من القمح 8,6 مليون طن في سنة 2011 بحسب توقعات الفاو في 5/5/2011، لكنها تُضطر إلى استيراد القمح الأميركي لأن حجم استهلاكها أكبر من إنتاجها. وتقدر الفاو أن حجم الإنتاج العالمي من القمح سيبلغ نحو 652,9 مليون طن في سنة 2011، أي بزيادة 3,5 ٪ عن سنة 2010. وسيبلغ إنتاج الاتحاد الأوروبي من القمح نحو 142 مليون طن في سنة 2011، مقارنة بـ 113 مليون طن للصين، و81 مليون طن للهند، و60 مليون طن للولايات المتحدة الأميركية. (الـ"فاو"، النشرة الشهرية، 5/5/2011) (المترجمة).