· بالأمس حاول الجيش الإسرائيلي الإمساك بالعصا من طرفيها: فقد أعلن الناطقون باسمه أنهم يعرفون من دفع المتظاهرين إلى اجتياز السياج الحدودي بيننا وبين سورية، فقال ضابط كبير أن "ما حدث هو بإيعاز إيراني وتخطيط سوري"، وفي حين حاولت أطراف أخرى أن توجه الأحداث نحو النظام السوري المتداعي عبر قولها " حذرناكم من احتمال أن يحاول الأسد التخلص من الضغط عليه بتوجيهه نحو إسرائيل".
· لكن من جهة أخرى اضطر الناطقون العسكريون إلى الاعتراف بأنهم فوجئوا بقيام المتظاهرين باختراق الحدود بالقرب من مجدل شمس، وأن قواتهم العسكرية كانت منتشرة بالقرب من القنيطرة فقط حيث كانت هناك تحذيرات استخباراتية من إمكان حدوث أعمال شغب على نطاق واسع.
· لدى التدقيق في التقارير كلها لا يتضح سبب وقوع الأحداث تحديداً في "هضبة الصيحات" في الجولان، ومن المحتمل أن تكون جرت بصورة عفوية ومن دون تخطيط. وقد يكون الرد الموزون والعاقل للعقيد المسؤول عن بضع عشرات من الجنود الذين كانوا في مواجهة مئات من المتظاهرين غالبيتهم من الأولاد والشبان الصغار الذين حاولوا تحطيم السياج الحدودي والدخول إلى مجدل شمس، هوالذي سمح لإسرائيل بإنهاء الحادث بصورة معقولة ومنع وقوع خرق أكبر لسيادتها، والتسبب بضرر دولي كبير.
· علينا أن نكون أكثر حذراً عندما نقول أن كل ما يجري على الجانب السوري مخطط له. فمثلما اقتصر انتشار الجيش الإسرائيلي بالقرب من مجدل شمس على بضع عشرات من الجنود - وقد استدعيت فيما بعد إلى المنطقة فرق مدرعات ومظليين ومئات من رجال الشرطة - فقد اقتصر وجود الشرطة في الجانب السوري على عشرين عنصراً فقط لم يطلقوا النار لردع المحتجين.
· في المقابل اختلف الوضع على الحدود اللبنانية، فقد أطلق الجيش اللبناني النار في الهواء بكثافة على المتظاهرين لدى تقدمهم في اتجاه السياج الحدودي، على الرغم من اتهامنا لهذا الجيش بالتعاون الكامل مع حزب الله وبأنه ذراعه العسكرية. والخلاصة من هذا كله أن علينا أن نكون حذرين إزاء ما نعتقد أننا نعرفه.
· الواضح أننا شهدنا بالأمس نموذجاً أولياً لما يمكن أن يحدث في أيلول/سبتمبر، وحصلنا على صورة لما ستكون عليه الوقائع وجهود الاستخبارات في عهد الثورات والتغييرات التي تجري حالياً من حولنا. إن الذي يركز على نقاط محددة تقوم الاستخبارات بالتدرب على مواجهتها ضد دول أو تنظيمات مثل حزب الله (قبل حرب لبنان الثانية أحبط الجيش عدداً من محاولات الخطف بواسطة معلومات استخباراتية نوعية) إنما ينظر في الاتجاه الخطأ. ففي ظل الواقع الجديد للأنظمة الضعيفة أو غير الموجودة فإن الأحداث قد تجري في أماكن غير متوقعة ومن دون تحضيرات مسبقة. والمطلوب التشديد على معالجة هذه الأحداث لدى نشوبها وإيجاد الرد الملائم عليها. علينا أن نكون حذرين في التعاطي مع التقديرات الاستخباراتية بشأن المسائل الكبيرة، فالعالم من حولنا أكثر فوضى مما قد يبدو عليه.