· يعتقد أعضاء الكنيست من حزب الليكود أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لن يتوجه إلى واشنطن لإلقاء خطاب سياسي في الكونغرس الأميركي قبل أن يعطي ناخبيه والجمهور الإسرائيلي العريض إشارات بشأن مضمون هذا الخطاب. ويؤكد العالمون ببواطن الأمور أن نتنياهو لم يبلور حتى الآن جوهر هذا الخطاب.
· وفي رأيي، فإن الذي يرغب في معرفة جوهر خطاب نتنياهو ربما عليه أن ينصت إلى الخطاب الذي ألقاه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في حفل الاستقبال التقليدي الذي أقامه في مقر وزارته في مناسبة يوم الاستقلال. ففي هذا الخطاب طرح باراك مبادرة سياسية لتسوية النزاع مع الفلسطينيين، مصراً على ضرورة تطبيق حركة "حماس" شروط اللجنة الرباعية الدولية، والسماح للصليب الأحمر الدولي بزيارة الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط [الأسير لدى "حماس"].
· وأكد باراك أن إسرائيل مستعدة لاتخاذ قرارات حاسمة وصعبة شرط أن يتم الحفاظ على أمنها وعلى علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة. أمّا أسس مبادرته فهي على الشكل التالي: رسم حدود دائمة لإسرائيل على أساس اعتبارات أمنية وديموغرافية بما يضمن بقاء الكتل الاستيطانية الكبرى [في الضفة الغربية] والأحياء اليهودية في القدس خاضعتين للسيادة الإسرائيلية مع تبادل أراض، بحيث يبقى الفلسطينيون محتفظين بأراض تعادل ما كان في يدهم قبل سنة 1967. واقترح باراك ترتيبات أمنية تشمل مرابطة قوات إسرائيلية دائمة على طول نهر الأردن، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في تخوم الدولة الفلسطينية، وتطبيق ترتيبات متفق عليها في منطقة "الحوض المقدس" في القدس الشرقية. كذلك تنص المبادرة على نهاية النزاع ووضع حد للمطالب المتبادلة، فضلاً عن الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، والاعتراف بالدولة الفلسطينية دولة للشعب العربي الفلسطيني.
· ولا تختلف مبادرة باراك هذه عما سبق أن طرحه في أثناء مفاوضات كامب ديفيد سنة 2000، أو عن مبادرة جنيف ومبادرات سلام إسرائيلية أخرى. غير أن السؤال المهم المطروح الآن هو: هل سيؤيد رئيس الحكومة مبادرة وزير الدفاع؟ وإذا لم يؤيدها، ما الذي سيفعله باراك؟
· لعل ما يمكن قوله هو إنه لا توجد حتى الآن أي إشارات تلمّح إلى أن نتنياهو سيتبنى هذه المبادرة. في الوقت نفسه فإن المعسكر اليميني في حزب الليكود يبذل أقصى ما في وسعه كي يمنع رئيس الحكومة من تغيير موقفه. ولا بد من الإشارة إلى أن تحرّك هذا المعسكر يحظى بتأييد عدة وزراء من الليكود، وفي مقدمهم وزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعلون الذي يؤكد أن الوقت الحالي غير ملائم مطلقاً لتقديم أي تنازلات إلى الفلسطينيين، ولا يرفض فكرة ضم أراض غير آهلة بالفلسطينيين في المناطق [المحتلة] إلى إسرائيل رداً على إعلان إقامة دولة فلسطينية مستقلة من جانب واحد.