النظام السوري بين مواجهة الاحتجاج الداخلي والضغط الخارجي
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- مع بداية شهر رمضان، ازدادت الأزمة الداخلية في سورية عمقاً، وكثرت التقارير التي تحدثت عن أعمال قتل جماعي للمدنيين، وعن ارتكاب نظام بشار الأسد جرائم ضد الإنسانية. وفي المقابل ازداد عدد المشاركين في تظاهرات يوم الجمعة وتخطى على ما يبدو المليون، الأمر الذي يدل على اطّراد تعاظم موجة الاحتجاج وعمق الأزمة في سورية. ومن المحتمل جداً خلال شهر رمضان أن يزداد عدد المتظاهرين بحيث يشكلون كتلة حاسمة، وهو ما يعني أن نظام الأسد لا يواجه خطراً حقيقياً على بقائه فحسب، بل إن أيامه باتت معدودة أيضاً.
- لقد شارك في التظاهرات التي جرت في مدينة درعا في آذار/ مارس 2011، بضعة آلاف من الناس، ثم انتقلت التظاهرات إلى سائر المدن السورية حيث ارتفع عدد المتظاهرين من عشرات الآلاف إلى مئات الألوف ثم إلى المليون. وهذا الارتفاع المتواصل في عدد المتظاهرين، إلى جانب تزايد الحوافز لدى هؤلاء المتظاهرين والحماسة التي يظهرونها في مواجهة النظام سعياً لإسقاطه، يشكلان جزءاً من مسار سيؤدي إلى قيام كتلة حاسمة من المتظاهرين.
- فالتظاهرات في سورية بدأت تشمل جميع فئات الشعب السوري وحتى الأقليات التي بدأت في الفترة الأخيرة تشارك في هذه التظاهرات بصورة فاعلة إلى جانب أغلبية الشعب السوري من المسلمين السنّة. وفي المقابل، فإن الضغط على العلويين الذين يشكلون القاعدة التي يستند إليها النظام، أخذ يتزايد من أجل التخلي عن عائلة الأسد والانضمام إلى التظاهرات. ووفقاً لتقديرات غربية فإن انتقال العلويين إلى جانب المتظاهرين هو مسألة وقت فقط، وفي حال حدوث ذلك، فإنه سيمنع حدوث عمليات انتقامية ضدهم بسبب تعاونهم مع نظام الأسد، كما أن ذلك سيقصر أمد عملية إسقاط النظام إلى حدّ كبير.
- ويضاعف المتظاهرون والمجموعات المعارضة في سورية من ضغطهم على العلويين لدفعهم إلى المشاركة في التظاهرات المعارضة للنظام، ويلجأون أحياناً إلى التهديدات. وعلى الرغم من أن التعامل مع العلويين يجري بصفتهم كتلة واحدة، إلا إن الواقع أعقد من ذلك، إذ مع وجود عدد كبير داخل الطائفة العلوية من المؤيدين تلقائياً للنظام، فإن هناك أيضاً آخرين يعانون جرّاء طغيان هذا النظام وفساده، ويقفون ضده. ومن المتوقع في مرحلة معينة أن ينتقل هؤلاء إلى جانب المتظاهرين، لكن من غير المنتظر في المدى القصير أن يشاركوا في التظاهرات بصورة فاعلة، لأن الخوف في الطائفة العلوية هو خوف مزدوج: فهناك الخوف من ردة فعل النظام في حال المشاركة في التظاهرات، وهناك الخوف من الأغلبية المسلمة السنية في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد. ومن الممكن ملاحظة الضغط الذي يمارسه المتظاهرون ومجموعات المعارضة داخل الجيش السوري وقوات الأمن، وكذلك وسط الحزب الحاكم، حزب البعث.
- وإلى جانب تزايد الاحتجاج الداخلي في سورية، هناك عنصر آخر في استطاعته أن يؤثر في مصير النظام، هو حجم تدخل الدول والهيئات الدولية. فالمعارضة السورية تنشط بصورة منهجية على صعيد عدد من دول العالم من أجل الحصول على تأييدها في نضالها ضد النظام، كما أنها تتوجه إلى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا. لكن النجاح الأكبر الذي حققته المعارضة السورية كان حصولها على تأييد تركيا التي استضافت المعارضة السورية وسمحت لها بأن تنشط إعلامياً داخل أراضيها ضد نظام الأسد.
- فقد أدى القمع الوحشي الذي يمارسه نظام الأسد ضد حركة الاحتجاج الشعبي إلى ابتعاد تركيا عن سورية بعد التعاون الوثيق الذي نشأ بينهما خلال الأعوام الأخيرة. ومع أن تركيا لم تطالب حتى الآن بتنحي الأسد، إلاّ إن رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، وصف أعمال القمع بـ"الوحشية"، فضلاً عن أن وزير الخارجية التركية لم يستبعد إمكان التدخل العسكري في سورية. فصحيح أن تركيا مثل سائر الدول في العالم ليست متحمسة لخيار التدخل العسكري في سورية، غير أنها تتخوف من انتقال الاحتجاج إلى الأكراد داخل أراضيها، ومن ازدياد حجم اللاجئين.
- إن الأزمة في سورية دفعت تركيا إلى الوقوف في مواجهة مع إيران التي تؤيد بشدة نظام الأسد، وتساعده في قمع الاضطرابات. فعلى الرغم من علمانية نظام الأسد ونظام آيات الله في إيران، فإن العلاقات الاستراتيجية بين سورية وإيران، القائمة منذ عدة أعوام، تعود بالفائدة المشتركة على الدولتين، ولذا فإن سقوط نظام الأسد سيشكل ضربة قاسية للنظام الإيراني. وعلى الرغم من صعوبة إقدام الجيش السوري على جر تركيا وإيران إلى مواجهة مباشرة، فإن عدم الاستقرار في سورية يشكل معضلة لهاتين الدولتين، ونقطة خلافية فيما بينهما في حال تصاعده.
- وفي الخلاصة، فإن تعاظم حركة الاحتجاج في سورية، و أعمال القمع الوحشي التي يمارسها النظام السوري، يثيران كثيراً من الانتقادات الدولية. فالقرار الصادر عن مجلس الأمن الذي دان سورية، يدل على أن تزايد الاحتجاج الداخلي مترافق مع تزايد الضغط الخارجي على النظام السوري.
- إن إيران وتركيا، الدولتان الأساسيتان في الشرق الأوسط اللتان تربطهما علاقات وثيقة بسورية، تقفان موقفاً متعارضاً من الأحداث السورية: فتركيا تضغط على الأسد للقيام بإصلاحات واسعة وتتعاون مع المعارضة، في حين أن إيران تواصل دعمها لنظام الأسد وتؤيد قمعه الاضطرابات. ويبدو أن حظوظ تركيا في النجاح أكثر من حظوظ إيران، الأمر الذي سيؤدي إلى نفوذ تركي أكبر في سورية في فترة ما بعد حكم الأسد، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج استراتيجية.