تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.
· في أواسط تموز/يوليو، بدا لوهلة أن الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من عام ونصف العام باتت قريبة من الحسم، وأن نظام بشار الأسد وصل إلى نهايته. حصل هذا ظهيرة يوم 18 تموز/يوليو 2012، مع وصول الأخبار من العاصمة السورية عن الانفجار الذي وقع في أثناء اجتماع مكتب الأمن القومي، والذي أدى إلى مقتل كبار المسؤولين الأمنيين في الجهازين العسكري والأمني الذين أشرفوا على قمع الانتفاضة ضد النظام السوري، أي وزير الدفاع داود راجحة، ورئيس لجنة إدارة الأزمات حسن تركماني، ونائب وزير الدفاع وصهر الرئيس بشار الأسد آصف شوكت.
· ولقد ترافق اغتيال كبار المسؤولين في النظام السوري مع هجوم شنته على دمشق مجموعات مسلحة ينتمي جزء منها إلى الجيش السوري الحر، واستطاع عدد من هؤلاء السيطرة على بعض أحياء العاصمة، من بينها حي الميدان، وبدا لوهلة أن دمشق على وشك السقوط خلال ساعات أو أيام في قبضة الثوار. بعد ذلك ببضعة أيام بدأ الثوار معركة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، ونجحوا في السيطرة على أجزاء كبيرة منها، كما تبين فيما بعد أنهم سيطروا على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، وتحدثت التقارير الواردة من سورية عن أن السكان الأكراد في شمال سورية وشرقها (والذين يمثلون نحو 10٪ من مجموع السكان)، الذين وقفوا حتى الآن على الحياد، أعلنوا انفصالهم عن النظام السوري، ويحاولون إقامة حكم ذاتي كردي في شمال سورية، لكنهم لم يعلنوا انضمامهم بصورة رسمية إلى الثوار.
· وقد جاءت هذه التطورات على خلفية ازدياد الانشقاقات في صفوف النظام وفي الجيش وأجهزة الدولة الأخرى.
· إن أهمية وتيرة هذه التطورات تكمن في أنه طوال العام ونصف العام الأخيرين كانت وتيرة انتشار الثورة السورية بطيئة ومتدرجة، وكان من الصعب الإشارة إلى نقطة تحول جوهرية، إذ كنا نشهد تدهوراً تدريجياً وبطيئاً ومتواصلاً في اتجاه محدد، سواء بالنسبة إلى الوضع الأمني في الدولة أو بالنسبة إلى ضعف قوة النظام. لكن، في الإجمال، افتقدت الثورة السورية إلى صورة انتصار شبيهة بصورة ملايين المصريين الذين تدفقوا إلى ميدان التحرير في وسط القاهرة، والتي كانت بمثابة إعلان أن المعركة في مصر قد حُسمت وأن حكم مبارك انتهى.
· من هنا يمكن القول إن أحداث الأسابيع الأخيرة في سورية هي بمثابة مؤشر إلى ما سيحدث لاحقاً بالنسبة إلى الثوار، وإلى النظام ومؤيديه، وإلى المجتمع الدولي، وبصورة خاصة بالنسبة إلى الأكثرية الصامتة التي ما زالت تقف على الحياد ولم تتخذ موقفاً طوال الأشهر الماضية.
· مما لا شك فيه أن الثورة في سورية دخلت منذ أواسط تموز/يوليو 2012 مرحلة جديدة يمكن أن تكون مرحلة الحسم. فقد بدأت المرحلة الأولى خلال الأشهر الأولى للثورة وتميزت بكونها حركة احتجاج قادها سكان الأرياف، وتجلت في التظاهرات في مدن الأطراف وفي الأرياف وفي بعض المدن الكبيرة. وتوقفت هذه التظاهرات تقريباً في إثر استخدام النظام الجيش السوري لقمع الانتفاضة بصورة مكثفة ووحشية. وبدأت المرحلة الثانية خلال صيف العام الماضي، وتميزت بانتقال الاحتجاج إلى المدن المتوسطة الحجم في وسط الدولة، مثل حماه وحمص، وبلوغها ضواحي المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب. ولقد برز خلال هذه المرحلة نشاط المجموعات المسلحة المؤلفة في أغلبيتها من المنشقين عن الجيش السوري ومن أبناء القرى الذين بدأوا ينشطون، على أساس محلي وليس بصورة مستمرة، ضد الحواجز ونقاط المراقبة ومراكز الشرطة والقواعد العسكرية للجيش.
· حالياً، دخلت الحركة الاحتجاجية مرحلة جديدة. فقد ازدادت قوة الثوار، وبات عددهم يتجاوز وفقاً للتقديرات عشرات الآلاف من المسلحين الموزعين في شتى أنحاء سورية، لكنهم ما زالوا غير خاضعين لقيادة موحدة.
· لقد استطاع الثوار السيطرة على أجزاء كبيرة من المناطق الريفية، ولا سيما تلك الواقعة في شرق سورية، حيث توجد حقول النفط التي كانت تشكل عنصراً مهماً في الاقتصاد السوري عشية اندلاع الثورة، بالإضافة إلى سيطرتهم على شمال سورية (إدلب وحلب)، وعلى بعض مناطق حمص وحماه، وعلى ضواحي ريف دمشق، وحوران في الجنوب. وتقوم قوات الثوار بمهاجمة الفرق العسكرية للجيش النظامي السوري الموجودة هناك، فضلاً عن محاولتها السيطرة على المدن الكبرى مثل حمص وحلب ودمشق. لكن على الرغم من ذلك، فإن نجاح الجيش السوري النظامي في طرد الثوار من دمشق دليل على أن جيش الثوار ما زال في بداية طريقه، وأنه ما زال عاجزاً عن خوض معركة عسكرية واسعة النطاق، وأن كل ما يقدر عليه هو القيام بهجمات محدودة ومحلية على أهداف معينة.
· يمكننا النظر إلى ما يحدث في سورية وإلى ما قد يحدث في المستقبل القريب بطريقتين:
· فمن جهة، يمكن أن نلاحظ، إذا ما تأملنا في أحداث العام ونصف العام الأخيرين، ظهور توجه واضح نحو تفكك الدولة السورية، وبصورة خاصة حكم حزب البعث برئاسة بشار الأسد، الذي بدأ يفقد التأييد الذي كان يحظى به ويخسر سيطرته على الدولة. وإزاء ما يحدث هناك من يقول إن استمرار التوجه الحالي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى نهاية النظام السوري.
· ومن جهة أخرى، وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال النظام السوري صامداً، على الرغم من التآكل المتواصل في قوته، وهو لا يزال يحظى بتأييد القواعد التي اعتمد عليها منذ نشوب الأزمة، وفي طليعتها تحالف الأقليات المؤلف من أبناء الطوائف العلوية والدرزية والمسيحية. ويشكل هؤلاء نحو ثلث عدد السكان في سورية، ووجودهم في الجيش أكبر من ذلك.
· وتجدر الإشارة إلى أن الجيش والبيروقراطية الحكومية، اللذين يقفان إلى جانب النظام حتى الآن، لا يزالان في أوج قوتهما على الرغم من موجة الانشقاقات، فالقادة الكبار في الجيش ما زالوا موجودين ولم ينشقوا، ولم تتفكك أي وحدة عسكرية أو تعلن انشقاقها، وما زال آلاف الجنود السوريين يقاتلون الثوار.
· كذلك لا يزال أبناء الطبقات الوسطى في المدن الكبرى يقفون على الحياد، ويبدو أنهم ليسوا معنيين بسقوط النظام على الرغم من الأصوات الداعية بينهم إلى تنحي الأسد كخطوة ضرورية وحتمية في سبيل إنهاء الأزمة السورية. إذ يرى أبناء هذه الفئة من السوريين أن استمرار الوضع الحالي أسوأ بكثير من الفوضى وانعدام الاستقرار اللذين قد ينشآن في سورية في إثر سقوط النظام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسلحين الذين سيطروا على بعض أحياء دمشق جاؤوا من خارجها، من المناطق الريفية والمتاخمة لدمشق، وعندما دخل هؤلاء إلى المدينة امتنع أهالي دمشق من الانضمام إليهم، وفضلوا البقاء في منازلهم أو الفرار إلى أماكن آمنة، والبعض منهم توجه إلى لبنان. وفي جميع الأحوال فإن سكان مدينة دمشق لم يتظاهروا في ساحات المدينة دعماً للثوار.
· في الخلاصة، لقد خسر النظام السوري الكثير من قوته خلال الأشهر الطويلة من الثورة ضده، لكن معارضيه ما زالوا يفتقرون إلى القوة الكافية كي يشكلوا بديلاً حقيقياً له. وعلى الأرجح ستواصل سورية تدهورها نحو حرب أهلية، سيكون المنتصر فيها هو الطرف الذي يقدر على المحافظة على قوته وعلى الصمود أكثر وقت ممكن في المعركة الدائرة.