· حتى كتابة هذه المقالة، لم يتم التوصل إلى اتفاق إسرائيلي- فلسطيني- أميركي يسمح باستئناف المحادثات في مطلع أيار/مايو وحتى نهاية السنة. لكن على الرغم من ذلك، ففي تقديري ثمة فرصة كبيرة للتوصل إلى هذا الاتفاق قبيل نهاية نيسان/أبريل الحالي. ففي نهاية الأمر من بين آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين لدينا، نستطيع التنازل عن بضع مئات منهم، كما تستطيع الإدارة الأميركية التنازل عن بولارد. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنه بالنسبة للفسطينيين، فإن تأجيل الانضمام إلى جزء من المنظمات الدولية لا يشكل قضية حياة أو موت.
· لذا، فإن القضية الحقيقية لا تكمن في استئناف المفاوضات بل في الموضوعات التي ستعالجها هذه المفاوضات. ومن الأصداء التي تصلني، أستطيع أن أفهم أن المقصود مرة أخرى هو التوصل إلى اتفاق دائم خلال تسعة أشهر. يجب أن نكون عمياناً كي نقترف هذا الخطأ، فقد أثبتت الأشهر الأخيرة أن هذا الأمر مستحيل. فإذا كان هذا هو الهدف الذي سيعمل الطرفان لإنجازه فعلاً، فإننا من دون شك سنجد أنفسنا في مواجهة مأزق صعب في كانون الأول/ديسمبر 2014 مع انضمام الفلسطينيين إلى المزيد من المنظمات الدولية بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية (التي تعتبرها إسرائيل مشكلة)، ومع تهديد الحكومة الإسرائيلية بوقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية للسلطة، هذا إلى جانب توقف الاتصالات بين كبار المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين، وخطر عودة العنف.
· لذا فمن الأفضل أن يعلن جون كيري فوراً أنه لا ينوي التوصل إلى اتفاق دائم خلال الأشهر القادمة، بل إلى حلّ يستجيب لمطالب الطرفين. ففي ظل الظروف السياسية القائمة حالياً، من الممكن التوصل إلى ترتيبات في الطريق إلى الحل الدائم، لكن من المستحيل التوصل إلى حل دائم.
· في ظل الخلاف القائم بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وكيري، اقترح أوباما أن تقوم الولايات المتحدة بتقديم اقتراح أكثر تفصيلاً مما طرحته كلينتون (سنة 2000) ويتضمن حلاً للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يستند إلى أن تكون الحدود بين الدولة اليهودية والفلسطينية العتيدة هي الخط الأخضر العائد إلى سنة 1949 مع تغييرات متبادلة وتبادل متساو للأراضي من حيث المساحة والنوعية، وأن تُقسم القدس الشرقية ويكون الجزء العربي من المدينة تابعاً للدولة الفلسطينية. أما حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين فيكون بتقديم تعويضات إلى اللاجئين وأسرهم وبأن تكون الدولة الجديدة وطناً لهم. وكان أوباما يعلم أن هذا الاقتراح لن يتبناه الطرفان، لكنه يفضل أن يطرحه على جدول الأعمال الدولي.
· في المقابل، يدعم كيري مساراً مختلفاً هو مواصلة المحادثات مع الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق على خطة تسمح بالتفاوض على الحل الدائم، أو على الأقل على اتفاق إطار تفصيلي يستمر حتى 2015، يدخل بعدها الطرفان في تفاصيل التفاصيل التي يفرضها مثل هذا الاتفاق المهم. لا يعتقد أوباما أن هذا ممكن، وهو على حق، إذ من المتوقع أن يضعنا كيري في مواجهة مأزق صعب في نهاية السنة، وأن يترك الطرفان في خضم لعبة تبادل اتهامات وخطوات أحادية الجانب مؤذية لنا وللآخرين.
· يتعين على كيري أن يفهم أن نتنياهو ليس مستعداً لأن يدفع الثمن الذي ينبغي أن يدفعه من أجل التوصل إلى اتفاق دائم، أما أبو مازن فلا يستطيع تنفيذ الاتفاق سوى في الضفة الغربية وحدها، لأن قطاع غزة خارج عن سيطرته، وحتى لو وقعّ اتفاقاً دائماً فلا مجال لتطبيقه بأكمله.
· أمام كيري ثلاثة خيارات أخرى هي: إقامة دولة فلسطينية فوراً ضمن حدود ليست دائمة بل موقتة. فهذا يجنب الطرفين مناقشة موضوعين صعبين بالنسبة إليهما هما موضوع القدس وموضوع اللاجئين؛ والتركيز على بحث خطوط الحدود الموقتة، وعلى الترتيبات الأمنية ومسألة المستوطنات التي ستبقى تحت سيطرة إسرائيل. وهذا لن يكون سهلاً لكنه ممكن.
· في مثل هذه الحالة، ستكون المساهمة الأميركية من خلال اقتراح جدول زمني للاتفاق الدائم وتقديم رؤية الأميركيين حيال هذا الاتفاق حتى لو لم يطلب من الطرفين تبنيه. رسمياً، هذا يعني تنفيذ المرحلة الثانية من "خريطة الطريق" التي طرحتها إدارة الرئيس بوش في مطلع 2012 وقبلتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وتحولت إلى قرار رسمي صادر عن مجلس الأمن.
· الخيار الثاني؛ هو تنفيذ اتفاق الحكم الذاتي العائد إلى سنة 1995، وهو حتى اليوم يلزم الطرفين. ويتحدث هذا الاتفاق عن "إعادة انتشار" إسرائيل في الضفة الغربية على ثلاث مراحل. تنسحب إسرائيل على مرحلتين من 40% من الضفة، وتلتزم بالانسحاب الثالث قبل الاتفاق الدائم (الذي كان من المفترض أن يوقع في 4 أيار/مايو 1999).
· في سنة 1998، وبعد عودة الوفد الإسرائيلي برئاسة رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الخارجية أريئيل شارون من محادثات واي- بلانتيشين، اتخذت الحكومة قراراً بألا يتعدى الانسحاب الثالث نسبة 1% من الأراضي. ومن الواضح أن هذا القرار كان أقرب إلى موقف مبدئي، وثمة إمكانية اليوم لاتخاذ قرار بالانسحاب من عشرات في المئة من أراضي الضفة من دون أن يكون هناك دولة فلسطينية، وذلك من خلال توسيع الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية.
· الخيار الثالث؛ هو الأسوأ بينها لكنه يبقى أفضل من مفاوضات عقيمة على حل دائم، وهو خطوة أحادية الجانب يجري تنسيقها مع إسرائيل، تسمح بتحويل المنطقة "ب" التي تملك السلطة الفلسطينية فيها صلاحيات مدنية فقط، إلى المنطقة "أ" حيث تملك السلطة صلاحيات الحكم الذاتي الموسع بما في ذلك الصلاحيات الأمنية. كما تقوم إسرائيل بنقل منطقة معينة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية وأيضاً تقدم تسهيلات على الصعيد الاقتصادي والحياة اليومية. وفي جميع الأحوال، فإن كل الخيارات المطروحة تبقى أفضل من خطة كيري الحالية.