وهم مبادرات السلام
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– "وجهات نظر"،الورقة رقم 136

·       تتعرض الحكومة الإسرائيلية لحملة ضغوط دولية كبيرة من أجل تقديم مبادرة سلام. وانضم "معسكر السلام" الإسرائيلي إلى هذه الحملة مطالباً بانسحاب شبه شامل إلى حدود 1967 وتقسيم القدس وتبادل محدود للأراضي.

·       وقد استجاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جزئياً لهذه الضغوط الدولية، مشيراً إلى أنه في صدد الإعداد لمبادرة ما زالت تفصيلاتها قيد الدرس داخلياً.

·       إن رفض زعماء السلطة الفلسطينية الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل لا يزعج دول العالم التي تواصل الحديث عن الحاجة إلى إجراء مفاوضات سلام ما دامت الفرصة لا تزال سانحة لذلك، وبغض النظر عما يعنيه هذا الكلام فعلاً. إذ تتجاهل هذه الدول الضعف الكبير لرئيس السلطة الفلسطينية الذي يحكم الضفة الغربية بصعوبة ويعجز عن السيطرة على غزة، الأمر الذي يجعل من الصعب الوثوق به كشريك قادر على تطبيق الاتفاقات التي قد يتم التوصل إليها مع إسرائيل. إن جزءاً من المجتمع الدولي يتوهم أن من السهل التوصل إلى تفاهم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكني أحمل خبراً سيئاً لهؤلاء وهو أن الخلاف في الآراء بين الإسرائيليين والفلسطينيين غير قابل للحل في أيامنا هذه.

·       والمفارقة هي أن الأفرقاء في النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي هم أكثر نضجاً من حكامهم، إذ تشير استطلاعات الرأي كلها إلى أن أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين لا تتوقع حلاً قريباً للنزاع، وأن السلام ليس على الأبواب.

·       في ظل هذه المقاربة للصراع، ما هي الإيجابيات التي يمكن أن تحملها مبادرة سلام إسرائيلية؟ إن أغلبية أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية توافق على هذه المقاربة، لكن البعض منهم يعتقد أن في إمكان إسرائيل إبداء شيء من المرونة من أجل وضع حد للانتقادات الدولية، ولا سيما تلك التي مصدرها واشنطن. إن هذه الاستراتيجيا القائمة على كسب الوقت حتى يتوصل العالم إلى فهم أفضل للوضع أو حتى يصبح العرب أقل تشدداً، تشكل جزءاً من السياسة الإسرائيلية.

·       إن المشكلة الأولى لهذه الاستراتيجيا تكمن في عدم قدرة إسرائيل على تقديم أي شيء يقبله الفلسطينيون. فهم سيرفضون أي حلول يمكن أن يتقدم بها نتنياهو، والدليل على ذلك الرفض الفلسطيني للعرض السخي الذي قدمه إيهود باراك سنة 2000 [في مؤتمر كامب ديفيد]، وكذلك رفضهم مقترحات إيهود أولمرت سنة 2008.

·       أمّا المشكلة الثانية فتكمن في أن أية "مبادرة سلام" جديدة يجب أن تستند إلى حل الدولتين الذي أراه غير قابل للتنفيذ. إن العالم كله بمن فيه إسرائيل يواصل دعمه لخطة كان يصعب تحقيقها في الماضي، كما يصعب أن تثمر عن نتيجة في المستقبل القريب. في الواقع، لقد أدرك المجتمع الدولي أن نشوء دولة فلسطينية يتطلب دعماً خارجياً، ومن هنا جاء تقديمه مبالغ مالية كبيرة من أجل بناء مؤسسات هذه الدولة. وثمة ما هو أكثر من ذلك، إذ يقترح جزء من المجتمع الدولي، ومن ضمنه الفلسطينيون، إقامة نوع من رعاية من جانب الأمم المتحدة، أو وصاية دولية، معترفين بأن السياسة الفلسطينية ما زالت تفتقر إلى وسائل الحكم الذاتي. ويأتي هذا في مرحلة من الاضطربات والأزمات التي تعصف بدول عربية موجودة منذ عقود، إذ يصعب التوقع أن الفلسطينيين سيكونون أكثر قدرة من غيرهم من العرب على بناء دولة مستقرة. من هنا، فإن طرح "مبادرة سلام" إسرائيلية جديدة من شأنه أن يرسخ خطأ إدراج حل الدولتين على أجندة المجتمع الدولي بدلاً من التشجيع على تقديم أفكار واقعية وخلاقة لخطط واستراتيجيات مفيدة.

·       على نتنياهو أن يقول الحقيقة لأصدقاء إسرائيل الذين ما زالو كثراً في العالم، وهي أن تحقيق سلام مع الفلسطينيين غير ممكن في الوقت الحالي، وأن في مقدور إسرائيل اتخاذ عدد من الإجراءات التي من شأنها تحسين الوضع. إن ما تحتاج إليه إسرائيل ليس سلاماً وهمياً، وإنما تطوير استراتيجيا واضحة لإدارة النزاع تمكّنها من الحد من معاناة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.