· يطرح قرار الرئيس أوباما استخدام القوة ضد قوات القذافي في ليبيا مشكلات كثيرة على الإدارة الأميركية. فهناك ثغرة كبيرة بين الهدف الطموح الذي وُضع للعملية، أي إسقاط معمر القذافي، وبين العمليات العسكرية المحدودة التي يقوم بها سلاح الجو. وقد بدأ هذا الاختلاف يظهر في النقاش العام في الولايات المتحدة، إذ على الرغم من تأييد أغلبية الزعماء السياسين هناك إسقاط القذافي، ثمة إجماع أميركي واسع يرفض انتشار قوات برية أميركية في دولة إسلامية جديدة.
· في الواقع، تتخطى انعكاسات العملية العسكرية ضد ليبيا هدف إسقاط القذافي. فقد كشف دافيد سنجرفي لصحيفة "نيويورك تايمز"، مستنداً إلى مصادر في مجلس الأمن القومي الأميركي، أن الإدارة الأميركية درست انعكاسات العملية العسكرية في ليبيا على الجبهة ضد إيران، وطُرح هذا الموضوع في النقاشات التي دارت في البيت الأبيض الشهر الماضي. فالولايات المتحدة أرادت أن تُظهر قوتها أمام إيران، وتبين لها أنها، وعلى الرغم من تورطها في حربين [في العراق وأفغانستان]، لا تزال قادرة على استخدام قوتها في أماكن أخرى. ويبدو أيضاً، أن هذا الاعتبار عينه كان سبباً للتدخل الأميركي في أزمات أخرى في العالم العربي.
· إن انعكاسات المعركة الدائرة في ليبيا على الجبهة الإيرانية متعددة. فقد تدفع القوة العسكرية الأميركية الزعامة الإيرانية إلى الدخول في مفاوضات جدية مع الغرب. إلاّ إن الهجوم العسكري على ليبيا قد يأخذ مدلولاً مختلفاً للغاية، إذ سبق ووافق القذافي سنة 2003 على التخلي عن مشروعه النووي، وتخلص من السلاح الكيماوي الذي كان لديه، لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من مهاجمته. من هنا فإن الدرس الذي يمكن أن تستخلصه إيران مما يحدث هو ألاّ شيء يضمن نظاماً تعتبره واشنطن مثيراً للمشكلات، حتى لو حاول هذا النظام التخلي عن قدرته النووية.
· هل الهجوم على ليبيا حسّن القدرة الأميركية في المواجهة مع إيران أم أضرّ بها؟ الجواب مرتبط بالسياسة الأميركية إزاء المشروع النووي الإيراني.
· لقد خاب أمل الذين توقعوا في واشنطن أن يؤدي الهجوم على ليبيا إلى دفع الإيرانيين إلى التفاوض. لكن في حال اقتنع البيت الأبيض بعد مرور عامين من المساعي الدبلوماسية الفاشلة بأن الإيرانيين لن يتخلوا عن مشروعهم النووي، فإن الهجوم على ليبيا يمكن أن يشكل رسالة واضحة للزعامة الإيرانية بأن الخيار العسكري بالنسبة إلى الولايات المتحدة لا يزال مطروحاً.
· إن المرة الوحيدة التي جمدت فيها إيران نشاطها النووي كانت في أثناء إدارة بوش عندما تخوفت من غزو أميركي لها بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003. من هنا فإن تجدد الخوف الإيراني من هجوم أميركي مرتبط إلى حد بعيد بنجاح العملية العسكرية في ليبيا، إذ سيزيد هذا النجاح في مخاوف إيران. في المقابل، فإن استمرار القذافي في منصبه سيُقنع إيران بأن الولايات المتحدة غير قادرة على وقف مشروعها النووي. وفي جميع الأحوال، فإن المعركة الدائرة في ليبيا تتخطى كثيراً حدود هذا البلد.