معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ومنذ قمع النظام السوري ثورة الإخوان المسلمين ضده [سنة 1982]، اعتُبر نظام البعث بقياد أسرة الأسد النظام الأكثر استقراراً في الشرق الأوسط، والذي يسيطر بقوة وبيد من حديد على مختلف أنحاء الدولة.
· لكن، وعلى الرغم من ذلك، لم يكن مفاجئاً وصول موجة الاحتجاج التي اجتاحت الشرق الأوسط وقوضت النظام السياسي في كل من تونس ومصر إلى سورية. فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في سورية لا تختلف عما هي عليه في العالم العربي، كذلك لا يختلف الشباب السوري عن الشباب في تونس ومصر، فهم مثلهم لا أمل لهم بمستقبل أفضل، ويعانون ضائقة اقتصادية قاسية، وعنفاً وظلماً.
· لقد أمل الرئيس السوري بشار الأسد بألاّ تتأثر سورية بموجة الثورات العربية، إذ قال بثقة، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "وول ستريت"، إن "سورية ليست مصر ولا تونس"، وإن نظامه بعكس نظام كل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك، يحظى بتأييد الشعب السوري بفضل موقفه الشجاع في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
· لكن في 18 آذار/مارس الماضي اشتعلت النار في سورية وما زالت مشتعلة حتى الآن، وقد باءت جهود النظام السوري في إطفائها بالفشل. ففي أعقاب صلاة الجمعة في ذلك النهار خرج آلاف المصلين من المساجد في كل أنحاء سورية للتظاهر مطالبين بالحرية، واشتبكوا مع قوات الأمن السورية التي سارعت إلى إطلاق النار عليهم، الأمر الذي أدى إلى مقتل العشرات منهم.
· لقد تلقى النظام السوري صفعة عندما خرجت هذه التظاهرات في أنحاء سورية، لكنه بقي متماسكاً ومستعداً للرد بحرب لا هوادة فيها. وقد أثبت هذا النظام خلال الأسابيع الأخيرة قدرته على تجييش مئات الآلاف من المتظاهرين المؤيدين له، والذين جمعت أجهزة الاستخبارات الجزء الأكبر منهم بصورة منظمة للتظاهر تأييداً للنظام.
· إن النظام في سورية يحظى بتأييد مطلق من جانب الجيش والأجهزة الأمنية السورية التي لم تتردد في تفريق المتظاهرين بصورة وحشية وإطلاق النار عليهم، وذلك بعكس الجيشين المصري والتونسي اللذين رفضا إطلاق النار على المتظاهرين. وفي الحقيقة، فإن ضباط الجيش السوري الذين هم في معظمهم من أبناء عائلة الأسد ومن عشيرته وأبناء طائفته، يعلمون جيداً أن المتظاهرين في سورية يطالبون أيضاً برأس قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وفي حال سقط الأسد فهم سيسقطون معه، وذلك بعكس ما حدث في مصر عندما انتقلت السلطة من مبارك إلى وزير الدفاع الذي تحول إلى شخصية محبوبة لدى جمهور المعتصمين في ميدان التحرير.
· وفي 30 آذار/ مارس، بعد مرور أسبوعين على وصول موجة الاحتجاج إلى سورية، ألقى بشار الأسد خطابه أمام مجلس الشعب المؤيِّد له بجميع أعضائه. لقد أراد بشار أن يُظهر ثقة بنفسه في مواجهة المعارضين له، وسارع في اعتبار ما يحدث في سورية مؤامرة تشارك فيها إسرائيل ودول غربية وعربية، كذلك اتهم وسائل الإعلام بالوقوف ضد سورية والسعي لتفكيك الدولة.
· إن أهمية خطاب الأسد لا تكمن فيما تضمنه، أي محاولته حشد التأييد له على قاعدة العداء لإسرائيل، وإنما تكمن فيما لم يتضمنه. إذ على عكس الزعماء العرب الآخرين الذين خسر بعضهم منصبه، في حين يحارب البعض الآخر دفاعاً عن هذا المنصب، رفض الأسد تقديم أية تنازلات أو تعهدات غامضة بالتغيير أو بالإصلاح. وفي اليوم التالي للخطاب، أُعلن في دمشق تشكيل عدد من اللجان مهمتها البحث في إمكان إلغاء قانون الطوارىء المعمول به في الدولة، لكن هذه الخطوة ليست ذات أهمية لأن تغيير هذا القانون أو ذاك لن يغير الصورة ويمنح الحرية لسكان هذه الدولة.
· لقد بدأ واقع جديد بالظهور في سورية التي كانت تعتبر الأكثر استقراراً وقوة من الدول العربية كلها. لقد نجح النظام في السيطرة على ما يجري، وفي إخراج الجماهير إلى الشوارع للتظاهر تأييداً له، لكن يوم الجمعة هو يوم مخصص للمتظاهرين المعارضين الذين يخرجون من المساجد للتظاهر.
· يمكن القول بصورة أكثر وضوحاً إن النظام السوري نجح حتى الآن في مواجهة الطوفان الذي أسقط النظام في كل من تونس ومصر، وحافظ على وحدته وسيطرته على الأجهزة العسكرية والأمنية. لكن على الرغم من ذلك لم ينجح في إطفاء النار التي ما زالت مشتعلة ولو بنسبة ضعيفة، ولا سيما بعد صلاة يوم الجمعة في المساجد.
· ما زالت حركة الاحتجاج في سورية محدودة، وما زال المتظاهرون لا يتجاوزون بضعة آلاف، وما زالت مراكز الاحتجاج في الضواحي، كذلك لا يزال ملايين السوريين من سكان المدن الكبرى مثل دمشق التي يبلغ عدد سكانها 5.5 مليون نسمة، أو مدينة حلب التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة يراقبون ما يجري من دون المشاركة في التظاهرات.
· يقطن في المدن السورية الكبرى نحو نصف عدد سكان سورية، وأغلبية هؤلاء السكان من السنة، وهم الذين سيحددون مستقبل النظام. ففي حال قرروا المشاركة فيما يجري سيكون من الصعب أكثر فأكثر على الأجهزة الأمنية الواقعة تحت سيطرة أبناء الطائفة العلوية، طائفة الرئيس الأسد، قمع التظاهرات، لكن في حال بقي هؤلاء الملايين من السكان يتفرجون على الأحداث من بعيد، فمن السهل على النظام قمع حركة الاحتجاج. لقد امتنع أبناء الأقليات الأخرى في سورية، التي تشكل نحو 40٪ من عدد سكان الدولة، من المشاركة في التظاهرات حتى الآن. إذ سكت جبل الدروز ومعه أبناء الطائفة الدرزية من سكان سورية الذين يشكلون نحو 5٪ من مجموع السكان، وبقيت هادئة المنطقة الشمالية الشرقية التي يقطنها الأكراد الذين يشكلون 10٪ من مجموع السكان، كذلك يفضل المسيحيون الذين يشكلون 13٪ من مجموع السكان عدم المشاركة في تظاهرات الطائفة السنية لدى خروجها من المساجد، أمّا أبناء الطائفة العلوية فيشكلون نحو 12٪ من مجموع السكان.
· إن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو ليس فقط ما سيحدث في سورية في الأسابيع المقبلة، بل أيضاً إلى أين ستتجه هذه الدولة في المستقبل القريب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن موجة الاحتجاجات التي وصلت إلى سورية لم تستطع أن تحقق ما حققته هذه الموجة في تونس ومصر، وأن تؤدي إلى انهيار النظام السوري، لكنها نجحت في زعزعة أسس هذا النظام، وستبقى مثل جذوة متقدة تواصل إشعال نار الاحتجاج من تحت الأرض. لم تعد سورية الدولة الأكثر استقراراً في الشرق الأوسط، وهي ستشهد مواصلة للاحتجاجات في أيام الجمعة، إذ سيبقى النظام مدعوماً من قسم من الشعب السوري ومن الأجهزة العسكرية والأمنية، في مقابل جزء كبير من الشعب سيستمر في التعبير عن احتجاجه على هذا النظام. ومن الصعب معرفة ما سيجري في النهاية، لكن غالباً ما تنتهي مثل هذه النزاعات ملطخةً بالدماء.