إسرائيل تعدّ حملة كبيرة لتحسين صورتها في العالم عقب تراجع غولدستون عن استنتاجاته بشأن وقائع عملية "الرصاص المسبوك"
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

تبدو المؤسسة السياسية في إسرائيل في الوقت الحالي مشغولة كلياً في كيفية استغلال تراجع القاضي ريتشارد غولدستون عن جوهر الاستنتاجات التي وردت في تقرير لجنة التحقيق الدولية التي ترأسها [بشأن وقائع عملية "الرصاص المسبوك" العسكرية الإسرائيلية على غزة في شتاء 2009] وتحويل هذا التراجع إلى حملة دبلوماسية وقانونية ودعائية تخدم مصالح إسرائيل.

ومنذ يوم السبت الفائت [الذي نُشرت فيه مقالة بقلم القاضي غولدستون في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أعرب في سياقها عن ندمه على ما ورد في التقرير من استنتاجات] فإن مداولات كثيرة جرت في هذا الشأن في المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل. وتركز معظم هذه المداولات على موضوع تحسين صورة إسرائيل في الساحة الدولية من خلال الاستعانة بما كتبه غولدستون في مقالته.

وقد أوعز رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى مستشاره لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور [رئيس "مجلس الأمن القومي"] أن يقيم طاقماً خاصاً مؤلفاً من مندوبين من وزارات الخارجية والعدل والدفاع "لبلورة إقتراحات وخطوات سياسية قضائية هدفها الاستفادة من مقال غولدستون [وتقليل الأضرار التي لحقت بإسرائيل بسبب هذا التقرير]. أمّا المسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع فيفكرون في كيفية استغلال تراجع غولدستون لإسقاط شكاوى قانونية ضد ضباط ومسؤولين إسرائيليين في الخارج. وقال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الخطر القانوني الذي يتعرض له الضباط الإسرائيليون في الخارج بات الآن أقل بسبب مقالة غولدستون التي أعرب فيها أيضاً عن ثقته بهيئات التحقيق القائمة في صفوف الجيش الإسرائيلي.

وعلى الصعيد الدبلوماسي فإن إسرائيل طلبت من سفيرها في الأمم المتحدة أن يطالب بوقف الإجراءات الدبلوماسية والقانونية التي جرى اتخاذها لدى تبني تقرير لجنة غولدستون، لكن التقديرات السائدة في إسرائيل تؤكد أن إلغاء التقرير كلياً غير ممكن إلاّ في حال قيام غولدستون نفسه بطلب ذلك، وثمة شكوك كبيرة فيما إذا كان في الإمكان إقناعه بالإقدام على خطوة كهذه.

وعلمت صحيفة "يديعوت أحرونوت" من أحد الأشخاص المقربين من غولدستون أن صحيفة "نيويورك تايمز" رفضت ـ لأسباب سياسية ـ نشر المقالة التي أعرب فيها عن ندمه على كتابة التقرير، ولذا فإنه نشرها في صحيفة "واشنطن بوست". وأكد هذا الشخص نفسه أن غولدستون أصبح هو وزوجته منذ نشر التقرير عرضة لحملة مقاطعة اجتماعية شاملة من جانب عناصر يهودية في بلدهما [جنوب إفريقيا] والعالم كافة، الأمر الذي تسبب لهما بضائقة كبيرة. وقال الدكتور ألون ليئيل الذي تربطه بغولدستون صداقة خاصة منذ أن تولى منصب مندوب وزارة الخارجية الإسرائيلية في جنوب إفريقيا، إن هذا الأخير تعرض لملاحقات وتهديدات كثيرة واضطر عدة مرات إلى تغيير بريده الإلكتروني وأرقام هواتفه، مؤكداً أنه كان لذلك كله تأثير كبير في كتابة مقالته. مع ذلك فإن مقربين آخرين من غولدستون أكدوا أن قراره نشر المقالة لم يكن ناجماً عن ضغوط اجتماعية، وإنما عن إدراك عميق بأن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة [الذي بادر إلى تأليف لجنة التحقيق الدولية بشأن عملية "الرصاص المسبوك"] استغل اسمه ومكانته ويهوديته من أجل الإساءة إلى سمعة إسرائيل.

وذكرت صحيفة "هآرتس" (4/4/2011) أن الحكومة الإسرائيلية تدرس إمكان إقناع غولدستون بتوجيه رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة يطلب فيها تحويل مقالته إلى وثيقة دولية رسمية. وأضافت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو طالب أمس (الأحد) بإلغاء تقرير لجنة غولدستون وذلك بعد أن دعا رئيس هذه اللجنة القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون إلى إعادة النظر في تقريره بشأن عملية "الرصاص المسبوك"، وخصوصاً اتهامه إسرائيل بتعمّد قتل المدنيين وارتكاب جرائم حرب.

من جانبه قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أمس (الأحد) إن على إسرائيل أن ترغم غولدستون على الظهور أمام الهيئات الدولية، وخصوصاً الأمم المتحدة للإدلاء بأقوال شبيهة لما ورد في المقالة التي نشرها في صحيفة "واشنطن بوست" أول من أمس (السبت) والتي تراجع فيها عن استنتاجات التقرير الذي أعده بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وقال نتنياهو لدى افتتاح الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية إن "هناك حالات قليلة جداً يقدم فيها مفترون على التراجع عن افتراءاتهم، وهذا ما حدث في حالة غولدستون، الذي اعترف بنفسه أن الأمور التي قلناها طوال الوقت كانت صحيحة، وفحواها أن إسرائيل لم تستهدف عن عمد أي مدني، وأن مؤسسات التحقيق لديها تعمل وفق المعايير الدولية الأعلى." وأضاف أن "ما يحدث في إسرائيل هو على العكس تماماً مما يحدث لدى حركة ‹حماس› التي قتلت وجرحت مدنيين بصورة متعمدة ولم تقم بأي تحقيق، الأمر الذي يجعلنا ندعو إلى إلغاء تقرير غولدستون فوراً." لكن الصحيفة أشارت إلى أن مصادر رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية أكدت لها أنه لا يمكن إلغاء التقرير.