الثورات العربية سترسم خريطة جديدة للمنطقة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       لن تؤدي الثورات والحروب في الدول العربية إلى تغيير الأنظمة فقط، بل ستعيد أيضاً رسم خريطة المنطقة. فالحدود التي وضعتها الدول الاستعمارية الكبرى التي تقاسمت فيما بينها إفريقيا والإمبراطورية العثمانية توشك أن تتغير. كذلك ينذر الصراع من أجل البقاء الذي يخوضه معمر القذافي وبشار الأسد والحكام العرب الآخرون بنهاية قريبة لمعاهدة سايكس بيكو التي تعود إلى الحرب العالمية الأولى والتي أدت إلى التقسيمات السياسية الحالية للشرق الأوسط.

·       في الأعوام المقبلة ستظهر على خريطة المنطقة أعلام دول مستقلة جديدة مثل جنوب السودان، وكردستان، وفلسطين، وشرق ليبيا، أمّا الصحراء الغربية فسيفقد المغرب سيطرته عليها، وسيعاد تركيب اليمن، وستنفصل إمارت في الخليج عن اتحاد الإمارات العربية. وليس مستبعداً تقسيم السعودية أيضاً إلى "دولة الأماكن المقدسة" في الحجاز، ودولة نفطية قوية في الشرق، وتقسيم سورية إلى دولة سنية ودولة علوية وأخرى درزية.

·       إن هذه الخريطة الجديدة ستؤدي إلى بناء علاقات مختلفة بين دول المنطقة وستشكل فرصة كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل. لقد اعتمدت السياسة الخارجية الإسرائيلية حتى قبل نشوء الدولة على استغلال الخصومات بين الدول العربية والإسلامية، مثلما قامت الوحدة العربية والإسلامية على العداء لإسرائيل. ولهذا السبب فضلت إسرائيل بروز القوميات المستقلة لدى جيرانها، إذ كلما زاد عدد الدول حولها، كلما أصبحت المناورة فيما بينها أسهل عليها.

·       حالياً، وبعد مرور أكثر من مئة عام يعاد النظر من جديد في معاهدة سايكس بيكو. فالانسحاب الأميركي من العراق سيعطي الأكراد فرصة للاستقلال على الرغم من معارضة تركيا. كذلك يعمل الفلسطينيون على الحصول على الاعتراف الدولي بدولتهم في الصيف المقبل على الرغم من الرفض الإسرائيلي.

·       هناك "دول مصطنعة" مثل ليبيا والأردن وعُمان والسعودية قد تتعرض للتفكك. فهذه الدول كلها تعاني من توتر داخلي حاد بين القبائل والمجموعات المختلفة التي تتكون منها، أو تعاني من فرض نظام الأقلية على الأغلبية. ولا يشكل التقسيم الجغرافي الحل الناجع، فقد كانت اليمن مقسمة في الماضي وهي قد تنقسم من جديد بين شمال وجنوب. لكن كيف يمكن تقسيم الأردن بين البدو والفلسطينيين؟

·       لقد قسمت الحرب الدائرة في ليبيا البلد إلى المنطقة الشرقية التي هي معقل الثوار، وإلى المنطقة الطرابلسية الواقعة تحت سيطرة القذافي. وليس واضحاً متى يمكن توحيد ليبيا من جديد وما إذا كان هناك فائدة من ذلك. وتدل مشاركة الدول الأوروبية الكبرى في القتال إلى جانب الثوار على رغبة هذه الدول في إنشاء منطقة فاصلة واقعة تحت سيطرتها بالقرب من الحدود المصرية حيث يمكن أن تنشأ جمهورية إسلامية معادية للغرب. إذ لا يمكن أن يكون هناك منطق استراتيجي آخر لدخول الغرب إلى ليبيا.

·       يفضل الغرب، وكذلك إسرائيل، أن يكون الشرق الأوسط منقسماً ومليئاً بالنزاعات. من هنا يمكن القول إن الغرب لن يحاول الوقوف ضد عملية تفكيك دول المنطقة، وإنما سيساهم فيها.

·       ستكون هناك مهمة مزدوجة لإسرائيل في عملية تفكيك دول الشرق الأوسط. فهي متورطة مباشرة في النزاع وفي مسألة نشوء فلسطين المستقلة وفي بلورة حدودها، كما أنها ستتأثر إلى حد كبير جرّاء تفكك دول مجاورة لها، وفي طليعتها الأردن وسورية والسعودية. إن السياسة الإسرائيلية الصحيحة هي القادرة على انتهاز الفرص المترتبة على ظهور دول جديدة وكيفية الاستفادة منها، وهي التي تستطيع توجيه هذه العملية التي لا مفر منها نحو زيادة قوة إسرائيل ونفوذها في المنطقة.