· قبل بضعة أشهر حصلت إسرائيل على تقرير عن المحادثات التي أجراها مصدر غربي رفيع المستوى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تناولت، من بين شؤون أخرى، المذبحة الدائرة في سورية. في هذه المحادثات بدا بوتين واضحاً ومصراً على أنه لن يسمح للأميركيين بأن يفعلوا به في سورية ما فعلوه في ليبيا، حيث قدم الروس للأميركيين على طبق من فضة قرار مجلس الأمن بإقامة منطقة حظر للطيران، الأمر الذي سمح لحلف الناتو بشن هجوم عسكري على ليبيا والقضاء على حكم القذافي فيها، وهو ما أدى إلى القضاء على المصالح الروسية هناك. من هنا تشديد بوتين على أن سورية لن تكون ليبيا جديدة.
· لكن مع استمرار سفك الدماء في سورية، بدأ الروس يشعرون بتبدل الرياح. فكلما تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية، وظهر عجز نظام الأسد عن القضاء عليها على الرغم من القمع الوحشي، كلما شعر الروس بأنهم يقفون إلى جانب الطرف الخطأ. ففي منطقة ذات أغلبية سنية كبيرة، يضع الروس ثقلهم اليوم إلى جانب أقلية صغيرة ومستهدفة -الطائفة العلوية- بدأت تفقد سيطرتها على سورية. ناهيك عن أن المحور العلوي – الإيراني - حزب الله، لا يشكل، بالتحديد، الدعامة الاستراتيجية لموسكو، وخصوصاً عندما تبدو الحلقة الجغرافية الأساسية فيه، سورية، على وشك السقوط.
· هناك أصوات في موسكو تحذر من أن يؤدي وقوف روسيا إلى جانب الأسد وتحالفها معه، إلى انهيار كامل لما تبقى لها من نفوذ في هذه المنطقة في حال سقوط النظام السوري. ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة تراجع التنسيق بين بوتين والسوريين عما كان عليه في السابق. إذ يبدو أن روسيا لا تستجيب لطلب سورية تزويدها كميات من أسلحة معينة قد تثير احتجاج الغرب.
· لكن في المقابل، قد يؤدي الابتعاد الروسي الكامل عن عائلة الأسد إلى ظهور الانطباع بأن الروس لا يقدرون، أو لا يريدون، الوقوف إلى جانب حليفهم.
· وسمع المصدر الغربي، قبل بضعة أشهر، من بوتين كلاماً عن تسوية محتملة، فقال بوتين: لن نوافق على أي قرار بشأن سورية إلاّ بعد الاتفاق على صورة سورية الجديدة. بكلام آخر، تطبيق النموذج اليمني على سورية، وتنحية بشار الأسد وعائلته والمقربين منه مع الإبقاء على القوى الأساسية الأخرى. وكما كان النموذج اليمني ملائماً للأميركيين، فإنه، في سورية، سيكون الأفضل بالنسبة إلى موسكو.
· في الماضي جرى تحديد مصير سورية بواسطة اتفاق فرنسي - بريطاني، واليوم يأتي الأميركيون والروس لتقاسم جلد الدب. وهكذا تحول الربيع العربي إلى ربيع التنافس بين نفوذ الدول العظمى القديمة، وفي حال لم ينجح العنف في حسم الوضع في دمشق، فإن موسكو وواشنطن قد تعيدان رسم الخريطة هناك.