مستقبل المعارضة الإسرائيلية بعد انضمام حزب كديما إلى الائتلاف الحكومي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       إن السبب الذي أدى إلى تبدد حزب كديما هو فقدانه صلته بالجمهور خلال الأعوام الثلاثة التي أمضاها في صفوف المعارضة. ففي هذه الأثناء قام بنيامين نتنياهو بملاءمة مواقفه مع ما أراد الإسرائيليون سماعه، وهذا هو السبب الذي جعل الحزب الذي فاز بأكثرية المقاعد في الكنيست في الانتخابات ينهي ولايته شريكاً ائتلافياً صغيراً لحزب الليكود، مع إمكان أن يذوب فيه. أمّا نتنياهو فيبدو زعيماً لا يُقهر.

·       قبل ستة أعوام فقط كان الوضع عكس ما هو عليه اليوم. فقد شكل حزب كديما الأمل بالنسبة إلى الجمهور عندما وعد بالانسحاب من طرف واحد من المناطق، وبترسيم الحدود، وحظي بالتأييد الدولي، في حين ظهر حزب الليكود بمظهر الحزب المحافظ الذي لا يملك رؤيا. بيد أن نتنياهو تعلم الدرس وفهم أن نجاحه متعلق بالترويج الناجح، وكانت النتيجة لا تُصدق، فعلى الرغم من تمسكه بأفكاره الأساسية، وعلى الرغم من أن حزبه انتقل إلى اليمين المتطرف، فقد استطاع رئيس الحكومة أن يظهر بمظهر الزعيم الرسمي والمتزن الذي يحظى بتأييد واسع وسط الرأي العام.

·       لا ينبع التأييد العام لنتنياهو من اعتراف مفاجئ بعظمة رئيس الحكومة، ولا من تغيير داخلي مر به نتنياهو، وإنما ينبع من قدرة نتنياهو على التفسير الصحيح لمواقف الجمهور، وترجمتها إلى خطوات سياسية. لقد وصف زميلي، يوسي فيرتر، نتنياهو ذات مرة بـ "المدمن على استطلاعات الرأي"، ويبدو أن هذا الإدمان على الأرقام كان مثمراً، إذ شكل المفتاح لنجاح نتنياهو في الولاية الحالية في مقابل العواصف والاختلافات التي شهدتها ولايته السابقة. لقد أدرك نتنياهو أن لا أهمية، في نظر الجمهور، لما قاله في الماضي، وإنما الأهمية هي لما يقوله اليوم، الأمر الذي دفعه إلى تبني مواقف خصومه عندما تبين له أن الجمهور يحبها. وهكذا، جعل تسيبي ليفني في جيبه من خلال خطبة بار - إيلان التي أعلن فيها تأييده دولة فلسطينية، كذلك أفشل جهود متظاهري ساحة روتشيلد [حركة الاحتجاج على غلاء المعيشة] بتشكيله لجنة تراختنبرغ، وبوعد غامض بإعادة بناء جزء من دولة الرفاه المدمرة ومكافحة أصحاب الثروات الكبيرة. وقد أطلق غلعاد شاليط من أسر "حماس" في مقابل الإفراج عن مئات الإرهابيين، مخالفاً بذلك مواقفه السابقة. وهذا ما يفعله الآن بابتعاده عن الحريديم ودعوته إلى تجنيد عام، في محاولة منه لإفشال سعي يائير لبيد.

·       ويبدو أن الجمهور يكافىء رجال السياسة على أقوالهم الجميلة لا على أفعالهم، فلم يسأل أحد نتنياهو لماذا لم تنشأ الدولة الفلسطينية، إذ يكفي الجمهور أن يؤيد قادتهم الفكرة ويتهموا الطرف الآخر بفشل المحادثات السياسية. ومن الواضح للجميع أن طلاب المعاهد الدينية لن يُجنّدوا في الجيش، ولن يصدر قانون جديد، لكن من الممتع الاستماع إلى الكلمات الجميلة والظن أن السياسي واحد منا.

·       في الواقع السياسي السائد في سنة 2012 حلّت الديمقراطية المباشرة محل "حكم النواب". عدنا الى أثينا القديمة، لكن عوضاً عن حشد المواطنين في ميدان المدينة، فإننا نسألهم عن مواقفهم عبر استطلاعات الرأي. والرأي العام هو الذي يحدد أسعار السوق السياسية لا التصويت في مجلس النواب، فالثمن الضئيل الذي دفعه نتنياهو لإدخال شاؤول موفاز إلى الائتلاف حددته استطلاعات الرأي التي تنبأت بانهيار كديما في الانتخابات، وليس جلسة الكنيست العامة، حيث كتلة كديما هي الكبرى. ربما كان موفاز صادقاً في اعتقاده أن نتنياهو كاذب، وأنه لا يجوز الانضمام إلى حكومته، لكن الجمهور قال له إنه على خطأ، ولهذا تخلى عن تصريحاته السابقة وجلس إلى يمين نتنياهو لاعباً ثانوياً.

·       يترأس المعارضة الآن يائير لبيد الذي يفهم، مثل نتنياهو، روح الشعب جيداً، فكل خبر عنه يحطم رقماً قياسياً من حيث نسبة المشاهدة. ويتخوف نتنياهو من لبيد لأنه عندما ينظر إليه يرى فيه صورة عن نفسه في بداية حياته المهنية، فهو مثله طليق اللسان وسريع البديهة، لكن من دون تجربة سياسية.

·       إن تأجيل الانتخابات منح زعيم "يوجد مستقبل" يائير لبيد فرصة نادرة ليجعل من نفسه بديلاً من حكم الليكود، لكن كي ينجح في تحقيق هدفه عليه عدم ارتكاب أخطاء ليفني، كذلك عليه أن يفسر مواقف الجمهور تفسيراً صحيحاً، وأن يتبناها بسرعة ويقتنع بها، وأن يمنع نتنياهو من أن يضعه في جيبه كما نجح في فعل ذلك مع كديما.