· يتمحور النقاش المتصل بالهجوم على إيران حول مسألتي الضرر المادي الذي سيلحق بالمشروع النووي الإيراني والزمن الذي سيتطلبه ترميم هذا الضرر، الأمر الذي يدل على عدم فهم الهدف الاستراتيجي من استخدام القوة العسكرية، وهو التأثير في التوازن السياسي القائم بين كل اللاعبين الأساسيين، وليس التأثير في القدرات المادية.
· إن إيران مصرة على امتلاك القدرة النووية، وكل ما يمكن أن ينتج عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية هو عرقلة للمشروع حتى يتم إصلاح الأضرار التي لحقت به. من هنا، فالمطلوب من إسرائيل هو التأثير في السياسة الإيرانية، وليس في قدرات إيران النووية، ذلك بأن إسرائيل غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة وإنما القادر على ذلك هوالولايات المتحدة الأميركية. ولا مجال للمقارنة بين القوتين الأميركية والإيرانية، إذ تملك الولايات المتحدة تفوقاً عسكرياً في أي مواجهة. وهنا يُطرح السؤال التالي: لماذ والحال هذه لم تنجح الولايات المتحدة في فرض إرادتها على إيران؟ إن ما يساعد إيران هو التفاوت في الأهمية التي توليها كل من إيران والولايات المتحدة للموضوع. إذ تولي إيران المشروع النووي أهمية كبيرة، وهي مستعدة لأن تدفع من أجل تحقيقه أثماناً باهظة. أمّا الولايات المتحدة فليس لديها الإصرار الذي لدى إيران، وهي تقوم بالموازنة بين اعتبارات متعددة (النفط والانتخابات والتحالف الدولي)، وتتردد في المجازفة. في هذه الأثناء تسعى إيران للاستفادة من الوقت من أجل التقدم في مشروعها، وتستغل تردد الولايات المتحدة في اتخاذ قرارت صعبة. وفيما يتعلق بإسرائيل، فإن ما يردعها عن التحرك وحدها ضد إيران هي الأثمان التي ستدفعها. وقد أدى هذا كله إلى بروز توازن سياسي أساسي بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، سمح بمرور الوقت.
· لا تستطيع إسرائيل القبول بهذا التوازن، وعليها أن تسرّع الوصول إلى لحظة الحقيقة التي تعلن فيها الأطراف كافة التزامها الجدي بسياساتها المعلنة، واستعدادها لتحمل المخاطر ودفع الثمن.
· إن العامل الذي من شأنه أن يغير هذا التوازن هو إعلان إسرائيل استعدادها لدفع الثمن المطلوب من أجل تنفيذ سياستها، وإحداث تغيير في سلم أولويات الأطراف الأخرى. ويجب ألاّ يكون هدف المؤسسة العسكرية مهاجمة منشآت المشروع النووي الإيراني، وإنما المطلوب من الجيش الإسرائيلي رفع مستوى قدراته ونقل رسالة واضحة مفادها رفض إسرائيل التوازن القديم، وتأكيد عزمها على المضي باستراتيجيا عسكرية تتلاءم مع الهدف المطلوب.
· إن ثمن العمليات السرية التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات والخطر الاستراتيجي المترتب عنها أقل من الثمن المتعلق بالخيار العسكري. والرسالة الاستراتيجية للمعركة السرية التي تخوضها أجهزة الاستخبارات تعكس ابتعاداً عن الدخول في مواجهة عسكرية. وفي الواقع، فقد استطاعت إيران من خلال الحرب السرية والعقوبات معرفة سقف المجازفة التي يمكن لأخصامها تحمله، وأدركت أن عليها ألا تخاف من خطوات أكثر قساوة بسبب الأثمان التي تستوجبها مثل هذه الخطوات.
· عملياً لم تنجح الحرب السرية ضد المشروع النووي الإيراني في تغيير التوازن السياسي القائم، وحتى بعد كل نجاح لهذه الحرب في إلحاق أضرار مادية في المشروع، كانت إيران تعود إلى مسارها الاستراتيجي وإلى تطلعاتها النووية. إن الحرب السرية ضد إيران تعطي الانطباع بأن "شيئاً ما يحدث"، لكنها من جهة أخرى تبقي التوازن السياسي القائم بدلاً من أن تزيله.
يتعين على إسرائيل أن تدفع الأطراف كلها إلى الكشف عن أوراقها، وهذا لا يمكن أن يحدث إلاّ في حال رفعت إسرائيل سقف المجازفة لفترة طويلة من الزمن.