لا يمكن أن تتخلى إسرائيل عن سياسة الغموض النووي من دون حدوث تغييرات جوهرية في الوضع الأمني للمنطقة
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- خلال النقاشات التي جرت في الفترة الأخيرة بشأن موضوع استخدام السلاح الكيميائي في سورية، والاتفاق الذي جرى التوصل إليه معها بشأن انضمامها إلى معاهدة حظر انتشار السلاح الكيميائي (CWC)، وكجزء من المساعي الدولية لوقف سعي إيران المتواصل للحصول على القدرة النووية العسكرية، طرح اسم إسرائيل أكثر من مرة في سياق المطالبة بمعاملتها بالمثل في مسألة أسلحة الدمار الشامل. فكان هناك من طالب إسرائيل بالمصادقة فوراً على معاهدة حظر انتشار السلاح الكيميائي، في حين طالبها آخرون بوضع حد لسياسة الغموض النووي التي تنتهجها، وأشار البعض الآخر إلى ضرورة بحث التركيز على موضوع تجريد الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
- إن القاسم المشترك بين هذه الدعوات المختلفة هو محاولة التطرق إلى أسلحة الدمار الشامل مع تجاهل الاختلاف في طريقة تعامل الدول مع كل ما يتعلق بهذه القدرات، وكذلك تجاهل العلاقة السائدة بين الدول والتهديدات الناتجة من هذه القدرات.
- ويتضح ذلك بصفة خاصة لدى الحديث عن سياسة الغموض التي تنتهجها إسرائيل في الموضوع النووي، والتي لا تقرّ في اطارها ولا تنكر التقارير المتعلقة بقدراتها النووية، وهو وضع مستمر منذ أكثر من نصف قرن. وفي الواقع، هناك فارق واسع بين ما حاولته إسرائيل وما نجحت في تحقيقه بواسطة استراتيجية الغموض، وبين ما هي متهمة بتحقيقه. يناقش هذا المقال مصطلحات الشفافية، والسرية، والاستقرار الإقليمي والأمن/الردع.
- يعتبر موضوع "الشفافية" بحد ذاته قيمة إيجابية في حلقة العلاقات الدولية، فكلما كانت الدول أكثر شفافية، كان هذا أفضل. لكن هل هذا صحيح بشكل مطلق؟ ففي ما يتعلق بإسرائيل، خدم عدم الشفافية مصالحها وأثمر عن فوائد بالنسبة للمنطقة كلها. فامتناع إسرائيل عن الاعلان أو التهديد أو القيام بأي خطوة تتعلق بالقدرة النووية التي لديها، ساهم في تعايش جميع دول المنطقة بسلام مع هذا الوضع، وفي عدم السعي إلى حصولها على هذه القدرة. ومثل هذا الوضع هو أفضل للاستقرار الإقليمي مما لو كانت إسرائيل دولة نووية علناً ولا يمكن تجاهلها.
- وذلك لا يعني أن مصر كانت راضية بهذا الوضع، بل على العكس، فقد شنت طوال أعوام حملة مركزة لإجبار إسرائيل على الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. لكنها على الرغم من ذلك، وقعت اتفاقاً للسلام مع إسرائيل من دون المطالبة بوضع شرط مسبق يقضي بإقرار إسرائيل تلك المعاهدة.
- إن الأسباب المنطقية التي دعت إسرائيل إلى البقاء بعيداً عن الأنظار وضبط النفس الواضح الذي مارسته في الموضوع النووي، تجعلنا ندرك أن السرية التي تمارسها إسرائيل في هذا الشأن ليس هدفها خداع الأعداء المحتملين أو تضليل أي طرف آخر، إذ تتمسك إسرائيل بسياسة رسمية بموجبها لا تعترف ولا تكذب بل تكتفي بالقول إنها لن تكون أول دولة تدخل السلاح النووي إلى المنطقة. بناء على ذلك، فإن الذين يدعون إسرائيل إلى "التوقف عن الكذب"، تفوتهم هذه النقطة. فالراهن اليوم أن الغموض النووي هو مكسب استراتيجي يمنح إسرائيل وضعاً مستقراً نسبياً في المنطقة.
- علاوة على ذلك، فإن جزءاً من الذين يطالبون إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي يستندون إلى عدد من الافتراضات من بينها انضمامها يشكل خطوة صحيحة باتجاه مزيد من الشفافية من جانب إسرائيل وفي اتجاه تعاون أوسع مع المجتمع الدولي.
- لكن السبيل الوحيد عملياً كي تستطيع إسرائيل (والهند وباكستان) الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي هو أن تكون دولاً غير نووية. لذا فالشفافية والتعاون مع المجتمع الدولي اللذين تفرضهما المعاهدة ليسا هما المشكلة، بل المشكلة تكمن في المطالبة بالتجرد من السلاح النووي. وفي الواقع، فإن المطالبات المتكررة من جانب مصر والجامعة العربية وإيران لإسرائيل بالانضمام إلى المعاهدة، تهدف إلى تحقيق هدف وحيد فقط هو كشف إسرائيل وتجريدها من القدرات التي تملكها بغض النظر عن نوعها ولا سيما قدرتها على الردع.
- إن إسرائيل تحاول أن تبقي موقفها من الموضوع النووي بعيداً عن الأضواء لأنها لا تزال تواجه أعداء يشكلون تحدياً لحقها في العيش في المنطقة كدولة ذات سيادة.
- أما في ما يتعلق بخيار مراقبة السلاح المطروح على إسرائيل، فما يمكن قوله إن العنصر الذي يحدد انضمام إسرائيل إلى المعاهدات الدولية أو يدفعها إلى تبني اتفاقيات إقليمية جديدة محتملة، هو الوضع الأمني في المنطقة، إذ لا توجد لإسرائيل علاقات سلام ولا علاقات سياسية مهمة مع عدد من الدول المجاورة لها، كما أنها ليست لديها قنوات اتصال أساسية مع عدد منها.
- في مثل هذا الوضع، من الصعب أن نراها تتنازل عن مكاسب استراتيجية، فهي لن تكون مستعدة للانضمام إلى معاهدات دولية إلا إذا كان الوضع يسمح بذلك، وهي تنظر بقلق كبير إلى عدد من دول المنطقة التي انضمت إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكنها واصلت خرق المعاهدة التي وقعتها وتضليل المجتمع الدولي.
- أما في ما يتعلق بفكرة عقد مؤتمر لتجريد الشرق الأوسط من سلاح الدمار الشامل (كان من المفترض أن ينعقد في 2012)، فهي مستعدة للمشاركة في المحادثات الأولية، لكن الدول العربية ترفض الجلوس مع إسرائيل ما لم تقر معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، (وتتجاهل هذه الدول أن أسلحة الدمار الشامل غير النووية لا تدخل في نطاق صلاحيات المعاهدة).
- في الخلاصة، نريد التطرق بسرعة إلى إيران. يبدو أن موضوع إسرائيل وتجريد المنطقة من أسلحة الدمار الشامل بدأ يزحف ببطء إلى داخل النقاش بشأن الملف النووي العسكري في إيران. ففي الوقت الذي توجّه فيه المطالب إلى إيران، يطالب جزء من الأصوات بالتطرق أيضاً إلى موضوع إسرائيل.
- وهنا يجب التشديد على الفارق بين إيران وإسرائيل، ولماذا يجب ردع التطلعات النووية لإيران من دون أن يكون لذلك علاقة بمراقبة السلاح في المنطقة. إن إيران ليست مثل إسرائيل، فهي دولة وقعت منذ سنوات معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، وتعهدت بعدم التزود بسلاح نووي. لكنها اختارت خرق تعهداتها وكذبت على المجتمع الدولي. وبذلك فقدت حقها الأخلاقي في وعظ الآخرين بفعل ما فشلت هي نفسها في فعله.
- إلى جانب ذلك، فإن النظام الحالي المعادي في طهران لا يكف عن اطلاق التهديدات الخطيرة صباح مساء من أجل إدخال إسرائيل والنقاش بشأن تجريد المنطقة من سلاح الدمار الشامل إلى النقاش حول الملف النووي العسكري الإيراني، وهي تنكر حق إسرائيل بالعيش كدولة ذات سيادة. وهذا يعبر عن رغبة إيران في تغيير صورة الشرق الأوسط وجعله كياناً إسلامياً. ومثل هذه الأهداف يمكن تحقيقها بواسطة إيران نووية. وتشير جميع الدلائل إلى أن إيران تسير في هذا الاتجاه.
- وفي الواقع، فمن دون تغييرات جوهرية في إيران والمنطقة، يجب أن نقلل من التوقعات بأن وضع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة سيتغير بصورة كبيرة.