· لستَ بحاجة إلى أن تكون ثاقب البصيرة كي تتوقع كل ما يمكن أن ينجم عن الثورة المصرية. فمن المثير للدهشة رؤية سرعة تحقق التوقعات الإسرائيلية المتشائمة، مثل السرعة التي سيطر فيها الإخوان المسلمون على البرلمان المصري، واستولوا فيها على اللجنة المكلفة تعديل الدستور، وقدموا مرشحهم لرئاسة الجمهورية. كذلك يمكن أن نرى كيف تحولت السفارة الإسرائيلية في مصر إلى هدف لأعمال الشغب واعتداءات الجمهور المصري، وكيف تحولت إسرائيل بسهولة إلى موضوع يتوحد حوله المتظاهرون. لقد رأينا أيضاً السهولة التي نشأ فيها التحالف بين الإخوان والجيش المصري، وكيف تحول أنبوب الغاز الذي يربط مصر بإسرائيل إلى هدف للهجمات، والسرعة التي أعلن فيها المصريون إلغاء اتفاق الغاز مع إسرائيل.
· هناك من يقول إن سبب إلغاء الاتفاق هو تجاري محض، وهذا موقف متفائل يحتاج إلى إثبات، في حين أن ما حدث يدعو إلى التشاؤم. واذا ما استمرت التغيرات على هذه الوتيرة فإن جارتنا الجنوبية قد تتحول إلى دولة معادية في وقت أقصر بكثير مما كنا نتوقعه.
· لقد جرى توقيع اتفاق الغاز بين مصر وإسرائيل في سنة 2005، وشكّل جزءاً من اتفاق السلام بين الدولتين. وبموجب هذا الاتفاق تقوم شركة EMG، التي يملك 21 ٪ من أسهمها رجل الأعمال الإسرائيلي يوسي ميمان وهو رجل يؤمن بالسلام، بشراء الغاز من مصر وبيعه إلى زبائنها في إسرائيل. لكن منذ سقوط حسني مبارك تحولت شبه جزيرة سيناء إلى منطقة غير خاضعة تقريباً لسيطرة الدولة، وقد تعرض أنبوب الغاز لـ 14 عملية تفجير قام بها البدو من سكان سيناء. والواقع أنه منذ أن كان مبارك في الحكم تعرضت صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل لانتقادات كبيرة كونها تراعي اقتصادياً إسرائيل على حساب المصلحة المصرية، وتبيع الغاز المصري بأسعار أقل من تلك المطروحة في السوق [وفقاً لما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" (15/4/2011) فإن مصر تبيع إلى إسرائيل كل مليون وحدة حرارية (BTU) بـ 4 دولارات، وذلك في مقابل 7 و10 دولارات تدفعها كل من تركيا وإيطاليا واليونان للوحدة نفسها من الغاز في اتفاقيات أخرى]. ومما لا شك فيه أن الأجواء السياسية التي تسود مصر في الفترة الأخيرة قد سهلت كثيراً من اتخاذ القرار بوقف اتفاق الغاز مع إسرائيل، الأمر الذي ستكون له انعكاسات بعيدة المدى.
· في الفترة الأخيرة، تحول اتفاق الغاز مع إسرائيل إلى موضوع أساسي للتهجم على نظام حسني مبارك، وبدأت القاهرة بعملية درس واسعة النطاق لهذا الاتفاق، في وقت يجري فيه التحقيق مع ابني مبارك [علاء وجمال] بتهمة تلقيهما رشى كبيرة في هذا الشأن. من جهة أخرى يقرأ الشعب المصري، الذي يعاني من الجوع، يومياً في الصحف كيف أن صفقة الغاز مع إسرائيل تسببت بخسارة مصر الملايين، وبالتالي حرمت الشعب المصري منها.
إن ما يحدث في مصر يجعلنا نتحسر على أيام حسني مبارك.