من الضروري تغيير نمط حياة البدو
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       يتجاهل المؤيدون والمعارضون، على حد سواء، للمواجهة بين قوات الشرطة والبدو الذين سكنوا أراضيَ تابعة للدولة في منطقة العراقيب في النقب، رؤية المشكلة من خلال المنظور التاريخي للنزاع بين البدو الرحل الآخذين في التوسع، وبين السلطة التي تمثل السكان الخائفين من هذا التوسع. وترتفع حدة هذا النزاع في كل مرة تزادد فيها عملية التصحر الناتجة من الاحتباس الحراري.

·       إن مثل هذه المواجهات أمر لا يمكن تجنبه. ففي الأعوام الأخيرة عانى الشرق الأوسط، الذي هو أساساً منطقة نصفها مجدب، من الجفاف. وكان البدو يغزون المناطق الزراعية في أعوام القحط، ولم يترددوا في استخدام القوة عندما كان المزارعون يقاومونهم، ولا في السيطرة على المدن. لكن هذا الأمر لم يعد ممكناً في الوقت الحالي، لذا باتت مشكلة تصحر المناطق المتاخمة للصحراء تتطلب الانتقال إلى نمط حياة آخر.

·       يصعب على البدو الانتقال إلى نمط حياة جديد، فهم يتمسكون بأسلوب حياتهم التقليدي، على الرغم من تراجع المداخيل من الأراضي التي يملكونها، كما يرفضون التخلي عن تربية الماشية على الرغم من تضاؤل عدد المراعي، وجفاف الآبار والأراضي. إن الحل العصري لهذه المشكلة يعني تحوّل جزء من هؤلاء البدو إلى الزراعة، أمّا الحل الآخر فيكمن في الانتقال إلى مراكز المدن والعمل في التجارة والمعامل الصناعية التي يصار إلى إقامتها في هذه المراكز أو في ضواحيها.

·       وعلى الرغم من كون أغلبية هؤلاء البدو تعيش على هامش دولة رفاه، فإنها تعاني من أوضاع حياتية تنتمي إلى العالم الثالث. فعند أطراف الأحياء الحديثة الموجودة في ضواحي المدن والبلدات في النقب، نجد مدن الصفيح والخيم حيث يعيش الناس في أوضاع حياتية قاسية جداً. ومن أسباب زيادة عدد هذه المدن، هو أن معدل الزيادة الطبيعية عند البدو يُعد الأعلى في العالم، ويساهم في هذه الزيادة أجهزة الصحة العامة في إسرائيل التي تقدم المساعدة إلى الأمهات وأطفالهن، وصندوق الضمان الصحي الذي يدعم العائلات كثيرة الأطفال. وتقام مدن الصفيح من دون تخطيط ومن دون بنى تحتية، وفي عدد كبير منها لا وجود للمدارس ولا للمرافق الحيوية الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى تسريع الانزلاق نحو دوامة الفقر والإجرام.

·       تشير الدراسات المتعلقة بمشكلات الانفجار السكاني في مراكز الفقر في العالم، إلى أن معدل الزيادة الطبيعية يتراجع مع ارتفاع مستوى التعليم، ولا سيما لدى النساء. من هنا، وكي نسمح للبدو بالخروج من "النفق المظلم" للتخلف والفقر الآخذين في الازدياد في ظل الجفاف الذي يعم المنطقة، يجب توظيف الجهد الأكبر في تعليم الشباب. لقد أظهرت أفلام وثائقية عن حياة البدو في النقب ولا سيما حياة النساء، أن هؤلاء النسوة يرغبن بصورة عامة في مواصلة تعليمهن بعد الانتهاء من أعوام التعليم الابتدائي التي يفرضها القانون، لكن الأهل (والآباء خاصة) يعارضون ذلك خوفاً من تخلي الفتيات عن التقاليد.

·       وتظهر رغبة الفتيات البدويات في التعليم في أرقام مؤسسات التعليم العالي في النقب. ففي جامعة بن ـ غويورن في النقب، يتعلم نحو 300 طالب من البدو، بينهم 200 طالبة. وفي الكلية العربية التابعة للجامعة يدرس 340 طالباً، بينهم 300 طالبة. لكن المساهمة التي تقدمها هذه المؤسسات وغيرها ضئيلة مقارنة بالحاجة الكبيرة إلى تغيير نمط حياة البدو. علاوة على ذلك ينبغي الاهتمام بالتعليم الذي يسبق التعليم الأكاديمي، كذلك يجب زيادة عدد أعوام التعليم في مرحلة التعليم المتوسط. ولا شك في أن هذه الخطوات ستحدث تغييراً اجتماعياً سيؤدي إلى انخفاض الخط البياني للولادات وسط البدو وفي أوساط أخرى، مثل المسلمين المتشددين، والعرب، واليهود المتدينين الحريديم.