"الشيطان الذي نعرفه": التفكير الإسرائيلي بشأن مستقبل نظام الأسد
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

·       في 16 أيار/ مايو، نقلت صحيفة "التايمز" اللندنية عن مصادر استخباراتية إسرائيلية قولها "إن بقاء نظام الأسد حتى لو كان ضعيفاً أفضل بالنسبة لإسرائيل وللمنطقة"، وأضافت الصحيفة نقلاً عن المصادر نفسها " الشيطان الذي نعرفه أفضل من الوضع البديل المحتمل عنه، والذي سيؤدي إلى تدهور سورية إلى حالة من الفوضى، وتحولها إلى موطىء قدم للمتطرفين من العالم العربي."

·       إن تعبير "الشيطان الذي نعرفه" سبق واستخدمه رئيس الحكومة أريئيل شارون سنة 2005، عندما شرح للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش سبب معارضته الاطاحة بنظام الأسد، وذلك بعد أن ازداد عداء الرئيس بوش للرئيس السوري بسبب تأييد هذا الأخير الثورة على الاحتلال الأميركي للعراق، وفتحه حدود بلاده أمام المتسللين الجهاديين وتهريب السلاح. وعلى الرغم من أن شارون لم يكن من محبي الرئيس السوري، لكنه كان يؤمن بالنظرية الإسرائيلية القائلة أنه من الأفضل مواجهة النظام الذي نعرفه في دمشق، من مواجهة بديل عنه غير معرف، أو مواجهة احتمال سيطرة الإخوان المسلمين، الذين يمثلون المعارضة المنظمة الوحيدة في سورية، على الدولة.

·       لقد كان الأسد حليفاً لإيران وشكل الجسر البري الذي يربط بين إيران وحزب الله في لبنان، كما دعم الأسد حركتي "حماس"  والجهاد الإسلامي، لكنه إلى جانب ذلك حافظ على الهدوء على الحدود في هضبة الجولان، وورث صيت والده بوصفه عدواً يتصرف بطريقة معروفة ومتوقعة. أما شارون فقد عارض فكرة التوصل إلى تسوية مع سورية طوال الأعوام التي قضاها في العمل السياسي، وكذلك خلال الأعوام الخمسة التي تولى فيها رئاسة الحكومة الإسرائيلية، كما عارض بصورة خاصة الانسحاب من الجولان.

·       بيد أن هذه النظرة الإسرائيلية تغيرت سنة 2006، في إثر حرب لبنان الثانية. فقد أثبتت هذه الحرب لإيهود أولمرت الذي تولى رئاسة الحكومة بعد شارون، حجم الخطر الذي يمثله محور إيران- سورية - حزب الله. وكانت الخلاصة التي توصل إليها أولمرت، والتي تؤيده فيها المؤسسة الأمنية، بأن على إسرائيل إعطاء الأولوية القصوى لتفكيك هذا المحور وذلك من خلال إخراج سورية من نطاق النفوذ الإيراني. ومن أجل تحقيق هذا الهدف بدأ أولمرت في بداية سنة 2007 وفي أواسطها، بواسطة تركيا، البحث في احتمالات التوصل إلى اتفاق سوري - إسرائيلي. وقد تواصلت المفاوضات [غير المباشرة] حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 2008،  وذلك على الرغم من توقفها موقتاً في أيلول/ سبتمبر 2007، بسبب قيام إسرائيل بتدمير المفاعل النووي السوري الذي كانت تبنيه كوريا الشمالية في منطقة الكبير [في دير الزور]. يومها برزت أصوات تقول أن لا جدوى من التفاوض مع رئيس سوري قادر على القيام بخطوة متطرفه من نوع بناء مفاعل نووي، لكن أولمرت كان يعتقد بأن هذا تحديداً يشكل حجة إضافية تدعم الحاجة إلى تحييد المواجهة مع سورية.

·       خلال السنتين 2010 - 2011 ،أي خلال العامين الأخيرين من الولاية السابقة لبنيامين نتنياهو، دارت مفاوضات جديدة مع سورية، بوساطة تركية، وبمعرفة إدارة أوباما. وبالاستناد إلى  الوسطاء فقد كانت هذه المفاوضات جدية، على الرغم من معارضة نتنياهو العلنية للانسحاب من الجولان. وقد أدى نشوب الأزمة السورية في آذار/ مارس سنة 2011 إلى وقف هذه المحادثات.

·       إن الأزمة في سورية التي بدأت بسلسلة من التظاهرات قبل أن تتطور إلى حرب أهلية دموية وإلى مواجهة طائفية، غيرت نظرة إسرائيل إلى الأسد وإلى نظامه، لا سيما بعد أن تحولت الحرب الأهلية في سورية إلى ساحة لنزاع إقليمي ودولي. فهي على الصعيد الإقليمي تحولت إلى مواجهة بين إيران وبين السعودية وتركيا وقطر والأردن الدول الداعمة للمعارضة. وعلى الصعيد الدولي، تقوم روسيا، وبدرجة أقل الصين، بتقديم الدعم إلى نظام الأسد وتدافع عنه أمام مجلس الأمن وفي مجالس دولية أخرى. كما تواصل روسيا تزويد نظام الأسد بمنظومات السلاح المتطور، وتعطي أهمية قصوى للدفاع عن استثماراتها في سورية وذلك للحؤول دون سقوط سورية تحت النفوذ الأميركي.

·       من هنا يتعين على إسرائيل بوصفها دولة مجاورة ولديها مصلحة كبيرة في مستقبل سورية، أن تقرر ما هي أولوياتها. ففي المراحل السابقة للثورة السورية اختارت إسرائيل النأي بالنفس، وذلك بعد وصولها الى الاستنتاج بأن قدرتها على التأثير في نتائج الحرب الأهلية في سورية محدودة. وفي الواقع فإسرائيل لا تملك أي تأثير على السياسة الداخلية في سورية، وفي حال أعلنت دعمها للمعارضة فإن ذلك سيشكل أداة سيستغلها النظام ضد المعارضة. فمنذ بداية الأزمة ادّعى الأسد والناطقون باسمه أن ما يجري هو مؤامرة تقوم بها قوى خارجية. في مقابل ذلك أوضحت إسرائيل أن لديها خطوطاً حمراء فيما يتعلق بسورية. كما أعلنت أنها ستتدخل لوقف انتقال منظومات السلاح المتطور "الذي يغير قواعد اللعبة" إلى التنظيمات الإرهابية سواء كانت حزب الله أم التنظيمات الجهادية التي تحولت إلى أطراف أساسية في المعارضة السورية المسلحة.

·       في كانون الثاني / يناير، أقدمت إسرائيل على تدمير صواريخ كانت في طريقها إلى لبنان. ومن أجل عدم احراج النظام السوري والتقليل من احتمال الرد الانتقامي، لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية. لكن في أيار / مايو 2013،  نفذت إسرائيل غارتين جديدتين وكان من الصعب عليها  إخفاء ما فعلته. وكان من الطبيعي أن ترفع سورية وإيران وحزب الله من سقف  رهاناتها، وهذا ما فعلته أيضاً روسيا، التي ستزود سورية بصواريخ S-300 المتطورة، والتي ترفض إسرائيل دخولها إلى الساحة اللبنانية - السورية. وانطلاقاً من هذا كله، فقد تجد إسرائيل نفسها مدفوعة إلى القيام بعمليات ضد تهريب السلاح من طريق سورية إلى حزب الله، مما قد يجر إلى ردود من جانب سورية أو حزب الله. وهذا ما قصده مصدر إسرائيلي رسمي الأسبوع الماضي في حديثه مع "النيويورك تايمز"، عندما قال إنه إذا قرر الأسد الانتقام فإن إسرائيل ستسقط نظامه، أي ستدمر سلاح الطيران والمدفعية مما سيؤدي إلى انتصار المعارضة. وفي جميع الأحوال فإن إسرائيل تجد نفسها متورطة في العمق في النزاع الإقليمي والدولي الدائرين بشأن مستقبل سورية، ومستقبل النظام هناك.

·       ثمة جدل داخل المؤسسة الأمنية حيال النتيجة المرجوة من الحرب الأهلية في سورية، فهناك تيار يؤيد فكرة أنه من الأفضل لإسرائيل بقاء الأسد في السلطة، كرئيس ضعيف بدلاً من تقسيم سورية. وحجة هذا التيار أنه أمام تصاعد قوة الجهاديين والإسلاميين وسط الميليشيات التي تقاتل الأسد واحتمال سيطرتهم على السلطة وتمتعهم بحرية القيام بعمليات إرهابية، فإن هذا سيشكل الخطر الأكبر على أمن إسرائيل. وفي ظل هذه الوقائع فإن بقاء الأسد هو الأفضل بالنسبة لإسرائيل لأنه "الشيطان الذي نعرفه". في المقابل هناك تيار آخر يرى في استمرار نظام الأسد بدعم من إيران وحزب الله، خطراً أكبر بكثير على الأمن القومي لإسرائيل. وفي رأي هؤلاء، الذين لا يرغبون بالطبع بسيطرة العناصر الجهادية على أقسام من سورية، فإن إسرائيل ستكون قادرة على مواجهة مثل هذا الاحتمال.

 

·       تبدو النظرية الثانية أكثر اقناعاً من غيرها. فقد أثبت بشار الأسد قدرته على القيام بخطوات خطرة ومتطرفة عندما قرر بناء المفاعل النووي بمساعدة كوريا الشمالية. كما أظهر عن استعداده لذبح شعبه، بل وحتى استخدام السلاح الكيميائي. والراهن اليوم أنه أصبح أداة في يد إيران. ولا يعني هذا أن على إسرائيل الوقوف علناً ضد نظامه. إذ ليس هناك أدنى شك في أن تورط إسرائيل  في النزاع الروسي - الأميركي حول مستقبل سورية هو بمثابة تطور سلبي. صحيح أن دفاع إسرائيل عن مصالحها الأمنية أمر حيوي، لكن عليها العمل إلى العودة الى السياسة التي انتهجتها خلال الفترة الماضية للحرب الأهلية في سورية، أي الامتناع بقدر الإمكان من الانجرار إلى دوامة الأزمة السورية، والدفاع عن مصالحها الأمنية والحيوية بشدة ولكن بطريقة  حذرة.