معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· تفرض الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في سنة 2011 التفكير في انعكاساتها على الجيش الإسرائيلي. ويمكننا منذ الآن، الحديث عن بعض تداعيات هذه الاضطرابات المسماة "الربيع العربي"، وذلك على الصعيد العسكري.
· قطاع غزة: إن احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم على حركة "حماس" ومنظمة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة لا يزال وارداً في كل لحظة. بيد أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه مثل هذا الهجوم هو الواقع السياسي الجديد في مصر، والذي من شأنه أن يجعل هذه العملية العسكرية معزولة ومقتصرة على القطاع، فمن المرجح أن تواجه هذه العملية، بمعزل عن هدفها النهائي، ردة فعل حادة من جانب الرأي العام المصري الذي سيطالب [الحكومة المصرية] بالرد على إسرائيل، الأمر الذي سيقيد الحركة النسبية التي تمتع بها الجيش الإسرائيلي خلال عملية "الرصاص المصبوب". وعليه، يجب القيام بما يلي: على الجيش الإسرائيلي التخطيط للعملية والمناورة وتنفيذها بسرعة لأنه لا يملك الوقت لشن ضربات بقوة نارية مكثفة لفترة زمنية طويلة. من هنا فإن إلحاق أضرار جسيمة بالبنى الإرهابية وبمواقع حركة "حماس" والفصائل الأخرى يتطلب عملاً سريعاً وضربات جوية ومناورات هجومية في أرض الخصم، كما يتطلب من الدوائر السياسية المدنية القيام بدور بالغ الأهمية، ألا وهو الدفاع عن مشروعية هذا العمل العسكري، والعمل المتواصل والمنهجي لتوضيح أهداف العملية أمام الرأي العام الدولي والعربي (بما فيه المصري)، والتشديد على ضرورتها الملحة كردّ على مواصلة إطلاق الصواريخ من القطاع، مثلما يتطلب تنسيقاً دائماً مع الإدارة الأميركية.
· شبه جزيرة سيناء والحدود الإسرائيلية – المصرية: إن شبه جزيرة سيناء آخذة في التحول أمام أعيننا إلى شريط من الأراضي الواقعة تحت سيطرة المنظمات الإرهابية، وذلك بالتوازي مع تراخي قبضة الحكم المركزي المصري على هذه المنطقة على الرغم من زيادة عديد قوات الجيش النظامي المصري فيها. ومن شأن بناء الجدار العازل على امتداد الحدود أن يحدّ من نطاق التهريب وتسلل العمال الأجانب، لكنه لن يوقف إطلاق النار على أهداف إسرائيلية. ويفرض عدم الاستقرار في مصر على الجيش الإسرائيلي إيجاد ردّ دفاعي لمواجهة السيناريو الأقصى، مثل توغل الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء خلافاً لمضمون معاهدة السلام. لقد سادت على مر الأعوام نظرية مفادها أن الجيش الإسرائيلي قادر على بناء قدراته مع الأخذ في الحسبان الإنذار الاستراتيجي من تغير الأوضاع في مصر. ويبدو اليوم أن الاضطرابات التي تشهدها مصر ومنطقة الشرق الأوسط تشكل إنذاراً وتفرض على الجيش الإسرائيلي إيجاد حلول قابلة للتطبيق من شأنها تحسين الرد الدفاعي في هذه المنطقة، بالإضافة إلى تلبية حاجات المناطق الحدودية الأخرى. وفي غياب موارد إضافية، فإن إحدى وسائل تحسين الردّ تتمثل في زيادة الكفاءة والقدرة على نقل قوات برية بسرعة من منطقة إلى أخرى، فضلاً عن تدخل القوات الجوية والبحرية، وذلك من خلال تشكيل قيادات عملانية من دون وجود قوات بحجم لواء، على أن تُشكّل هذه القيادات في المستقبل على مستوى الفيلق. وتنتشر هذه القيادات العملانية على طول الحدود الجنوبية الغربية لإسرائيل، بحيث تكون مهمتها بناء الجهوزية وجمع الاستخبارات العملانية، الأمر الذي سيمكّنها في حالات الطوارىء من استيعاب القوات القتالية وإشراكها في المعارك بسرعة.
· الأردن: على الرغم من شعور الجمهور الأردني بالتململ، يمكن القول إن المملكة الهاشمية تخطت الاضطرابات في هذه المرحلة. ويبقى من الصعب معرفة كيف ستتطور الأمور، وبأية سرعة سيتغير الوضع. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحدود مع الأردن مخترقة، ومن المتوقع أن يتم تحويل جزء من الأعمال المعادية نحو الحدود مع الأردن غداة استكمال الجدار العازل على طول الحدود الغربية. ويبدو أن استكمال التجهيزات الملائمة على طول الحدود مع الأردن سيستغرق وقتاً طويلاً، الأمر الذي يحتم على الجيش الإسرائيلي الاستعداد للردّ الأمثل في هذه الأوضاع. لذا ينبغي أن تتركز الجهود على تعيين مكامن الضعف على امتداد الحدود، وإيجاد الحلول لمعالجتها. وفي الوقت ذاته، يجب دراسة مفهوم شامل للدفاع عن الحدود مع الدول التي تربطها بإسرائيل معاهدات سلام يستند إلى العمل الاستخباراتي، ويستخدم قوات اعتراض قليلة العدد وسريعة الحركة.
· هضبة الجولان. من غير الواضح ما الذي ستسفر عنه الاضطرابات في سورية، لكن استمرار الوضع القائم لفترة زمنية طويلة أمر غير معقول، فمن المتوقع حدوث تغيير سياسي في هذه الدولة. وحتى لو افترضنا أن هذه التغييرات قد تكون إيجابية في المدى البعيد، إلاّ إنه يجب أن نتوقع نهاية حقبة الهدوء على طول حدود هضبة الجولان في المدى القريب. ومن المحتمل أن يعود التوتر إلى الحدود لأسباب عديدة، بدءاً من اختراق عناصر معادية لهذه الحدود جراء فقدان سيطرة نظام دمشق عليها، وصولاً إلى محاولات النظام المركزي توتير هذه الحدود من أجل الدفاع عن بقائه في الحكم. وفي الحالتين، على الجيش الإسرائيلي أن يكون مستعداً لتحول الحدود مع سورية إلى بؤرة للتوتر والإرهاب. ومن المفترض أن يتضمن الرد على سيناريو كهذا تعيين البؤر المعرضة للاضطرابات والاختراقات على امتداد الحدود، وتعزيزها بواسطة استكمال وإصلاح البنى الدفاعية ضد محاولات اختراق "أساطيل الحرية البرية". كما ينبغي للجيش أن يبني وحدات عسكرية خاصة مهمتها التصدي بفاعلية لأحداث مماثلة عبر استخدام الوسائل الملائمة. ويتطلب انعدام الاستقرار زيادة في جمع المعلومات الاستخباراتية ووضع قوات في حالة الجهوزية للعمل بحسب جدول زمني ملائم، وفي الوقت ذاته يجب تقوية نظام الدفاع المناطقي، والتأكد من كون مستوطنات هضبة الجولان مجهزة وآمنة ومتدربة على سيناريوهات تصعيد مماثلة. أخيراً، ينبغي توثيق التعاون مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في المنطقة لأن من شأن هذه القوات أن تلعب دور الوسيط للمساعدة على التهدئة في حال وقوع حوادث.
· الساحة الفلسطينية: قد يكون الوضع الأمني المستقر في الضفة الغربية خادعاً، فالانزلاق إلى المواجهة قد يحدث في أية لحظة جراء تقاتل داخلي في المجتمع الفلسطيني أو نتيجة عدم الاستقرار في المنطقة، أو قد يكون عملاً مقصوداً من القيادة الفلسطينية، التي قد تستخدم هذه المواجهة خدمة لمصالحها السياسية. في جميع الأحوال، على الجيش الإسرائيلي بناء جهوزيته للتصدي لأعمال الشغب والتظاهرات الشعبية الكبيرة التي تذكر بالانتفاضة الأولى. كما ينبغي إعداد قوات وتجهيزها بوسائل غير قاتلة لتفريق التظاهرات وأعمال الشغب الواسعة النطاق. وفي الوقت ذاته، يجب بسط قدرات الدفاع المناطقية للمستوطنات اليهودية واستكمالها، والتصدي لمحاولات الاختراق المنظمة أو العفوية.
· لم تصل التغييرات الحالية في منطقة الشرق الأوسط إلى خاتمتها. وقد يفضي مسار التحول الديمقراطي وعزم المواطنين على تحسين شروط حياتهم إلى استقرار راسخ في المنطقة في المدى البعيد. لكن، ينبغي لنا ألاّ نتجاهل الأخطار الكامنة في هذه التغييرات في المدى القصير، والتي تتطلب من الجيش الإسرائيلي التحقق من قدرته على تقديم أجوبة على السيناريوهات المتعددة. كذلك يجب على الدوائر السياسية تركيز جهودها من أجل إقناع الأسرة الدولية بإعطاء مشروعية للعمل العسكري في المناطق المختلفة. في نهاية الأمر، وخلال الفترة التي تقوم بها إسرائيل في بناء قدراتها على التصدي للاضطرابات في المنطقة، يجب ألاّ تكون الجهوزية السياسية للحكومة أقل أهمية عن الجهوزية العملانية للجيش الإسرائيلي.
* "سنة على الربيع العربي: انعكاسات إقليمية ودولية"، معهد دراسات الأمن القومي، بحث رقم 114، آذار/ مارس 2012..
** باحث في معهد دراسات الأمن القومي، تل أبيب.