تقصير ما بعد حرب لبنان الثانية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن التقصير الأكبر في حرب لبنان الثانية هو الذي وقع بعد انتهاء هذه الحرب. صحيح أن حرب 2006 كانت حرباً سيئة وأسفرت عن نتائج خطرة، لكن الأعوام الخمسة التي أعقبتها كانت أخطر من الأيام الـ 33 التي تواصل فيها القتال. لقد امتنعت إسرائيل من استخلاص الدلالات العميقة لهذه الحرب، ولم تواجه بشجاعة الإخفاقات التي كشفتها، ولم تستنتج العبر والدروس، ولم تغير الطريقة التي تتصرف بها.
- كشفت حرب لبنان الثانية فشل القيادة، فقد ارتكب قادة هذه الحرب أخطاءً لا يمكن أن تخطر في بال أحد، إلاّ إنهم لم يكونوا هم شخصياً مسؤولين عن هذه الأخطاء التي تسببت بها الشخصية الضعيفة لكل من إيهود أولمرت وعمير بيرتس ودان حالوتس. إذ كشفت هذه الأخطاء ضعف الزعامة الإسرائيلية على الصعيد الشخصي والقيمي والسلوكي، والمشكلات التي تعانيها على مستوى التخطيط، وعلى مستوى إدارة مؤسسات الدولة.
- ومنذ الحرب لم تعالَج مشكلة الزعامة في إسرائيل. صحيح أن أولمرت وبيرتس وحالوتس لم يعودوا موجودين في الحياة السياسية، لكن العلة ما زالت قائمة. وقد منع الخلاف الشخصي بين كبار المسؤولين بشأن مَن يتحمل مسؤولية فشل الحرب معالجة جذور مشكلة الزعامة في إسرائيل.
- كذلك كشفت حرب لبنان الثانية فشلاً عسكرياً فادحاً، فالجيش الإسرائيلي تحرك بطريقة تفتقر إلى التركيز والتصميم والحكمة. وفور انتهاء الحرب حدثت خطوتان مهمتان، هما: تعيين اللواء غابي أشكينازي، واستبعاد اللواء غال هيرش. وكانت الرسالة واضحة وبسيطة، وهي أن الجيش الإسرائيلي بعد هذه الحرب سيكون جيشاً أكثر استعداداً للقتال وأكثر شجاعة، من دون أن يكون مبدعاً أو متألقاً أو نزيهاً.
- ومثلما حدث بعد حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973] حين بنى رئيس الأركان مردخاي غور [1974 - 1978] جيشاً قوياً مع روحية مبهمة، فقد بنى أشكينازي بعد حرب لبنان الثانية جيشاً قتالياً ذا روحية كئيبة. وعلى الرغم من أن مخازن السلاح مملوءة والجنود يتدربون على القتال، إلاّ إن هذا يجري من دون إبداع ومن دون إرادة وتصميم، الأمر الذي يبقي مسألة الجيش مطروحة، ويجعل التحسينات التي أُدخلت عليه لا تتلاءم مع التحديات التي تواجهها إسرائيل.
- لقد أظهرت حرب لبنان الثانية فشلاً سياسياً، وخلّفت شعوراً مريراً بأن الدولة لم تكن موجودة، ولم يكن هناك مَن يرعى المدن المهجورة في الشمال، ولا مَن يهتم بالنازحين من هناك، كذلك لم يكن هناك روح تضامن تجمع بين أهل الشمال وبين سكان وسط إسرائيل وجنوبها. وبعد أن حوّلت إسرائيل نفسها من دولة إسرائيل إلى اقتصاد ـ إسرائيل، وأصبحت من دون قطاع عام حقيقي، ومن دون مؤسسات حكومية مسؤولة، ومن دون شعور بالمصير المشترك.
- وظهـر فجـأة أن النمـوذج الـذي أوجـدتـه هذه الدولـة والقائـم علـى نمـوذج السياسة - الاستهلاكية، لا يتطابق مع الحقائق التاريخية التي نعيشها، وأنه عندما تحين الساعة فإن اقتصادنا العظيم لا يستطيع أن يحمينا وأن يجعلنا نصمد كمجتمع واحد وكدولة واحدة، إذ إنه يجعلنا أقوياء على مستويات معينة وضعفاء على مستويات أُخرى.
- خلال الأعوام الخمسة الأخيرة لم تُحل هذه المشكلة، وإنما تفاقمت أكثر، فالاقتصاد في حالة من الازدهار بينما المجتمع في وضع صعب، والناتج الفردي يرتفع بصورة مذهلة، لكن الحكومة غير قادرة على العمل. لقد نسينا خوف حرب 2006 وعدنا إلى العيش كما لو كنا في جنوب كاليفورنيا.