· يأتي التوتر في العلاقات بين إسرائيل وسورية في الوقت الذي بدأت كفة الحرب الأهلية الدائرة في سورية تميل نحو نظام بشار الأسد. فقد نجح هذا النظام في استعادة المبادرة في المعركة، ونجحت قواته في ردّ هجمات الثوار على العاصمة دمشق، وعلى حلب ثاني أكبر المدن السورية، كما استطاعت هذه القوات بمساعدة حزب الله، استعادة السيطرة على مجموعة من المواقع المهمة الاستراتيجية التي كانت طوال أشهر مسرحاً لقتال ضار. ويبدو أن التقديرات التي تحدثت عن السقوط الوشيك لبشار الأسد كانت سابقة لأوانها، ويمكن القول إنه في حال استمر التوجه الحالي في سورية فإن الأسد قد يخرج رابحاً.
· إن الإنجازات التي حققها الأسد في ساحة القتال ليست مفاجئة إذا ما أخذنا في الحسبان الدعم الكبير الذي يحصل عليه من حليفيه إيران وحزب الله. وفي المقابل، تبدو الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة، مترددة ومن دون قرار حاسم، وتكتفي بمواقف الدعم الخالية من المضمون للمعارضة السورية المنقسمة على نفسها والمتقاتلة فيما بينها.
· في ظل هذا الوضع ليس من المستغرب ألاّ يرغب الأسد في المواجهة مع إسرائيل، لأن مثل هذه المواجهة ستجعله ينصرف عن مواجهة عدوه الحقيقي الذي يقف في مواجهته، أي الثوار السوريين. لكن على الرغم من ذلك، فإن على إسرائيل أن تأخذ في اعتبارها أن قدرة الأسد على ضبط النفس تجاهها ليست من دون حدود. ففي الأسابيع الأخيرة أرادت إسرائيل استغلال ضعف بشار الأسد من أجل فرض قواعد جديدة في أساسها الفيتو الإسرائيلي على انتقال أنواع جديدة من السلاح المتطور إلى حزب الله، والفيتو على تسلّح الجيش السوري بأسلحة متطورة من نوع صواريخ S-300. وفي مواجهة هذه الخطوات الإسرائيلية ضبط الأسد نفسه، لكنه قد يصل إلى الاستنتاج أن مواصلته ضبط النفس ربما يفسَّر داخل سورية على أنه علامة ضعف، وسيكون أكثر ضرراً له من الحرب الشاملة مع جارته في الجنوب.
· خلال الأسبوع الماضي برزت تهديدات في إسرائيل فحواها أنه في حال رد بشار الأسد على الغارات المنسوبة إلى إسرائيل، فإنه سيجابَه بردّ إسرائيلي مؤلم يمكن أن يؤدي إلى انهيار نظامه. لكن هذا يعني حرباً شاملة التي قد تؤدي إلى مهاجمة السوريين، قبل انهيار النظام، أهدافاً في عمق إسرائيل.
· إن الرد السوري ليس معناه بالضرورة خوض الحرب الشاملة. فخلال العامين الأخيرين حذرت دمشق مراراً من أن النار المشتعلة في سورية ستنتقل إلى الدول المجاورة لها. صحيح أن سورية لم تعلن مسؤوليتها عن القذائف التي سقطت في جبل الشيخ قبل أيام، ولا عن التفجير الدموي الذي وقع قبل أسبوع في تركيا [في بلدة الريحانلي التركية]، إلاّ إن الأتراك سارعوا إلى اعتبار نظام الأسد هو المشتبه فيه المباشر والأساسي عن الهجوم الإرهابي الذي وقع داخل أراضيهم.
· وفي جميع الأحوال، فمنذ اللحظة الأولى لنشوب الثورة في سورية تجد إسرائيل صعوبة في أن تقرر ما إذا كان من مصلحتها، مثل إيران وحزب الله، بقاء بشار الأسد في الحكم، أم إنها ترغب في انتصار الحركات الإسلامية للمعارضة السورية. والآن، فإن إسرائيل قد تجد نفسها قد انجرت، وربما من دون تخطيط، إلى التدخل العميق في الحرب في سورية، مع القدرة على أن تحسم جهة المنتصر. قد لا يكون هناك مفر من السير على حافة الهاوية في مواجهة النظام السوري، لكن من الأفضل أن يجري هذا من خلال التفكير المسبق، لا من خلال التدهور غير المخطط له وغير المحسوب مسبقاً.