هل الهدف من زيارة نتنياهو لموسكو البحث فقط في صفقة الصواريخ الروسية لسورية؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       تأتي الزيارة العاجلة التي يقوم بها بنيامين نتنياهو لروسيا، ولقاؤه مع الرئيس الروسي، في ظل تغيرات مهمة طرأت على مسألة التعامل مع الموضوع السوري، بينها: مهاجمة إسرائيل أهدافاً في سورية؛ الزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين في الدول الغربية لموسكو؛ إعلان روسيا نيتها تزويد سورية بصواريخ S-300.  وكان قد سبق الزيارة الحالية لرئيس الحكومة اتصالات بين روسيا وإسرائيل، ومحادثة بين نتنياهو والرئيس بوتين، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن سبب الزيارة الأخيرة، فهل هو فعلاً لمناقشة موضوع صواريخ S-300؟ وفي المقابل، شهدت موسكو في الأيام الأخيرة سلسلة زيارات قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ورئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، وبرز بوضوح نشاط حثيث حيال الموضوع السوري من جانب القوى العظمى في الغرب، ومن جانب إسرائيل، حيال روسيا تحديداً. فماذ يعني هذا كله؟

·       منذ بداية الحرب الأهلية في سورية، تحولت روسيا بالتدريج إلى لاعب أساسي على الجبهة السورية، وانتهجت استراتيجيا تهدف إلى منع التدخل الأجنبي الخارجي، ومنح الأسد قدرة أكبر على كبح قوات الثوار. وفي الواقع، فقد استخدمت روسيا هذه الاستراتيجيا كرافعة للضغط على اللاعبين الدوليين والإقليميين (الولايات المتحدة وحلف الأطلسي من جهة، وتركيا وأطراف المحور السنّي من جهة أُخرى). وفي مقابل ذلك، تعمل روسيا على البحث عن بدائل لتسوية الموضوع السوري بصورة تضمن مكانتها المستقبلية في الشرق الأوسط، وتؤمّن صمود المحور الراديكالي المؤلف من إيران وسورية وحزب الله، والذي يحظى بدعمها. وإلى جانب ذلك، تستخدم روسيا "الرافعة" السورية من أجل تحسين فرصها في التوصل إلى حلول حيوية بالنسبة إليها في الساحة الدولية، والتي هي موضع احتكاك بينها وبين الغرب.

·       لكن على الرغم من الإنجازات الواضحة التي حققتها هذه السياسة الروسية في سورية، فإن روسيا لم تنجح بعد في الحصول على تنازلات غربية تتعلق بشروط التسوية التي تقترحها في سورية. ويبدو الآن أن التطورات الأخيرة دفعت الدول الغربية إلى إعادة البحث في موقفها المتشدد حيال الرؤية الروسية لمستقبل التسوية في سورية، في وقت تُطرح تساؤلات بشأن قدرة الثوار على التغلب على النظام من دون مساعدة حقيقية من الخارج، الأمر الذي يبدو أكثر فأكثر غير عملي، فضلاً عن عدم الارتياح من مسار الأسلمة التي تجري داخل معسكر المعارضة السورية.  وهكذا بدت الغارات على دمشق، التي نُسبت إلى إسرائيل، في نظر الروس، تحضيراً لخيار التدخل العسكري الخارجي إلى جانب الثوار، الأمر الذي تبذل روسيا كل ما في وسعها لمنعه.

·       في هذه الأجواء بدأت التطورات المذكورة أعلاه. فجاءت أولاً زيارة وزير الخارجية الأميركي، كيري، لموسكو (7 - 8 أيار/ مايو)، حيث جرى البحث مطولاً في المشكلة السورية، لكن هذه المرة ضمن توجهات أكثر إيجابية من الماضي. وكان قد سبق ذلك محادثات هاتفية أجراها الرئيس بوتين مع الرئيس أوباما (ثلاث محادثات منذ آذار / مارس 2013)، وزيارة المستشار دونيلون لموسكو، الذي حمل رسائل من الرئيس أوباما تتعلق بالاستعداد الأميركي للتعاون في القضايا الأساسية لروسيا. وعلى ما يبدو، فإن زيارة كيري انتهت بالتوصل إلى تفاهمات بشأن سورية، وأعلن الطرفان [الروسي والأميركي] رسمياً موافقتهما على عقد مؤتمر دولي للبحث في قضايا هذه الدولة. والنموذج المقترح للحل هو تأليف حكومة انتقالية بمشاركة المعسكرين السوريين. وتعكس هذه الصورة تنازل الولايات المتحدة عن مطالبتها برحيل الأسد كشرط لمواصلة المفاوضات، في مقابل استعداد روسيا للتنازل عن تأييدها للأسد لاحقاً.

·       أمّا فيما يتعلق بإمكان تزويد سورية بصواريخ S-300، فما تجدر الإشارة إليه هو أن الصفقة تعود إلى سنة 2010. وهذه الصواريخ لم تصل حتى الآن إلى سورية ولا إلى إيران، ويدخل هذا في إطار تفاهمات جرى التوصل إليها مع روسيا في هذا الشأن. وقد طُرح الموضوع مرة أخرى في صيف سنة 2012، من دون أن يدخل حيز التنفيذ، وذلك بناء على طلب من إسرائيل. ويبدو أن روسيا تريد استخدام موضوع الصواريخ كرافعة ضغط لمنع التدخل العسكري الأجنبي في سورية، والحصول على تنازلات جديدة في المفاوضات مع الغرب قبيل بلورة تسوية في سورية في إطار المؤتمر الدولي. ولا يمكننا تجاهل فائدة هذه الرافعة، وأكبر دليل على ذلك، الزيارات المذكورة أعلاه لبوتين، والتي سمحت له بتحسين مواقف روسيا في النقاش الدائر حول الموضوع السوري.

 

·       ومن المتوقع خلال الزيارة التي يقوم بها نتنياهو لروسيا أن يجري درس موضوع الصواريخ ضمن أجواء ملائمة أكثر أيضاً، وذلك من خلال استعداد روسيا لتقديم تنازلات عدة، بما في ذلك في موضوع الصواريخ، لكن من الواضح أن ذلك لن يحدث من دون حصولها على مقابل لتنازلاتها.