· جاء استئناف المفاوضات بين إيران والحكومات الغربية بشأن المسألة النووية ثمرة ظروف جديدة نشأت في الأشهر الأخيرة وأدت إلى زيادة الضغوط على إيران، سواء من خلال تشديد العقوبات عليها أو من خلال انتشار المعلومات التي تحدثت عن احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية في حال لم تؤد المساعي السياسية إلى وقف المشروع النووي الإيراني. ولقد ساهم هذا الضغط في دفع الزعماء الإيرانيين إلى اقتراح استئناف المفاوضات، وإلى اتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً إزاء المسألة النووية، كذلك ساعد في إعطاء الإدارة الأميركية أوراقاً جيدة للمساومة في مفاوضاتها مع إيران.
· في المقابل، أبدت الإدارة الأميركية استعدادها تقديم تنازلات محددة إلى إيران، والموافقة على مبدأ تطوير مشروعها النووي شرط أن يكون من أجل أغراض مدنية ولا يشمل إنتاج السلاح النووي. ولهذه الغاية تقدمت هذه الإدارة بمجموعة مطالب ليست كلها معروفة، لكنها تضمنت مطلبين أساسيين، هما: إغلاق منشأة تخصيب اليورانيوم الموجودة بالقرب من مدينة قم، وإخراج اليورانيوم المخصب على درجة 20٪ من إيران. ويهدف هذان المطلبان إلى منع إيران من تخصيب اليوارنيوم من أجل استخدامات عسكرية، وكبح ما سمّاه وزير الدفاع إيهود باراك دخول إيران "منطقة الحصانة النووية"، أي تحصين المنشآت النووية الإيرانية بطريقة تجعل من الصعب مهاجمتها.
· وعلى الرغم من أهمية هذين المطلبين إلاّ إنهما ينطويان على مشكلتين: المشكلة الأولى، أنهما يمنحان إيران تفوقاً لا يمكن الاستهانة به، فإذا لم تطلب الإدارة الأميركية من طهران إخراج اليورانيوم المخصب على درجة 3٪ من أراضيها، كما سبق أن فعلت سنة 2009، لا تكون قد أوقفت سعي إيران للحصول على السلاح النووي، وسوف تكون الصفقة المعروضة على إيران أسوأ من تلك التي عرضت عليها سنة 2009، والتي فشلت أيضاً في نهاية الأمر. علاوة على ذلك، ستكون هذه الصفقة بمثابة اعتراف بشرعية مشروع التخصيب الإيراني، فحتى لو كان هذا التخصيب لأغراض مدنية ويخضع للرقابة الصارمة إلاّ إنه سيكون من الصعب مراقبة النشاط النووي الإيراني كما ينبغي.
· وتتمثل المشكلة الثانية في موقف إيران. فقد أوضحت إيران أنها ستدرس مطلب وقف تخصيبها اليوارنيوم على درجة 20٪، وحتى إعادة هذا اليورانيوم إلى درجة 3٪، غير أنها رفضت إخراج مخزونها من اليورانيوم المخصب على درجة 3٪ من أراضيها، كما رفضت طلب إغلاق المنشأة بالقرب من قم، التي لها أهمية كبيرة في مشروعها النووي، ناهيك بأن قبولها بإغلاق هذه المنشأة سيكون بمثابة خضوع بالنسبة إليها.
· ويمكن أن نضيف إلى هذا كله انعدام الثقة بين الأطراف المتحاورة، ولا سيما مع اقتناع زعماء إيران بأن هدف المساعي التي تبذلها الولايات المتحدة في هذا الإطار هو إسقاط نظامها. وبما أن مواصلة السعي لامتلاك سلاح نووي، أو على الأقل بناء قدرة نووية، تشكل هدفاً استراتيجياً للنظام الإيراني، فمن المتوقع ألاّ يوافق هذا النظام على تقديم تنازلات جوهرية تلحق الضرر بهذا الهدف، وهو لن يقدم هذه التنازلات إلاّ إذا شعر بأن الضغط الخارجي قد يؤدي إلى زيادة الضغط الداخلي عليه، الأمر الذي قد يتسبب بسقوطه. وهذا أمر لا يبدو مطروحاً في الوقت الراهن.
من هنا يمكن القول إن احتمال التوصل إلى اتفاق شامل ليس كبيراً، الأمر الذي قد يؤدي إلى فشل المفاوضات ودفع مختلف الأطراف إلى منعطف حاسم. إذ ستضطر إيران إلى حسم موقفها واتخاذ قرارها بشأن مواصلة مواجهة العقوبات التي ستشتد في تموز/يوليو المقبل بعد تطبيق الحظر النفطي، كما ستجد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان عليها انتظار نتائج العقوبات أو الانتقال إلى العمل العسكري.