حرب لبنان الثانية كانت فشلاً تكتيكياً أدى إلى إنجاز استراتيجي جزئي: الهدوء على الحدود الشمالية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • بعد مرور خمسة أعوام على حرب تموز 2006، تبدو الحدود بين لبنان وإسرائيل هي الأهدأ باستثناء الحدود مع الأردن. ويشكل هذا الهدوء على الحدود الشمالية الحجة الأساسية التي تستخدمها المجموعة التي خاضت حرب لبنان (والمؤلفة من إيهود أولمرت وعمير بيرتس ودان حالوتس وعدد من كبار الضباط الذين ما زالوا في الخدمة) من أجل الدفاع عن سياستها وأفعالها. إذ يرى هؤلاء أن استمرار الهدوء هو دليل على قوة الردع الإسرائيلي الذي خلفته هذه الحرب، الأمر الذي يشجع على تصوير أخطاء صيف 2006 على أنها نجاحات. إلاّ إن الهدوء على الحدود له علاقة أيضاً بالواقع العربي، فالرئيس السوري بشار الأسد مشغول بالدفاع عن بقائه، وبصراعه مع المعارضين لنظامه. أمّا حزب الله فغارق في الخلافات الداخلية، وعلى الرغم من سيطرته الكاملة على الحكومة اللبنانية الجديدة، إلاّ إنه يشعر بالقلق بسبب مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ضد أربعة من عناصره المتهمين بالتورط في اغتيال رفيق الحريري. وأدى تضافر هذه الأوضاع إلى نشوء مصلحة مشتركة للأطراف كلها بعدم الدخول في حرب جديدة ضد إسرائيل.
     
  • لكن هل يكفي هذا لتبرير سلوك الطبقة السياسية والعسكرية خلال حرب لبنان الثانية؟ قال اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند للصحيفة إن من الخطأ تجميل أمور جرت بطريقة سيئة. وفي رأيه، فإن هذه الحرب كشفت ضعفاً عميقاً في الأسلوب الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي، ومشكلات كبيرة في العلاقة بين الطاقم السياسي والعسكري، وفي الإدارة الاستراتيجية للحرب.
     
  • بيد أن موقف القائد السابق لسلاح الجو اللواء (في الاحتياط) دان ألياهو كان أكثر تشدداً من موقف أيلاند، ففي رأيه أن الطريقة التي أديرت بها هذه الحرب كانت "فضيحة لا يمكن السكوت عنها، ولا سيما أن الأسباب التي دعت إلى خوض هذه الحرب كانت مبررة، من هنا خطورة استغلال الهدوء من أجل إخفاء النتائج التي أسفرت عنها هذه الحرب. فإذا بحثنا عن الأهداف التي أراد حزب الله تحقيقها لوجدنا أن نصر الله أراد استخدام خطف الجنود الإسرائيليين في عملية تبادل الأسرى وقد حقق ذلك 100٪، كما أراد إلحاق الضرر بصورة إسرائيل كدولة قوية ونجح
    في ذلك. وهو استطاع منذ ذلك الحين الحصول على عشرات الآلاف من الصواريخ، ونجح في السيطرة المطلقة على لبنان. لذا، كانت الحرب انتصاراً هائلاً لنصر الله وفشلاً ذريعاً لنا".
     
  • إن الجانب الإيجابي الذي يمكن رؤيته من هذه الحرب هو الدعوات إلى النهوض بالجيش الإسرائيلي التي أدت إلى إعادة ترميم واسعة النطاق، وإلى إدخال تحسينات على أداء القوات البرية وقوات الاحتياط، وعلى أداء القيادة الشمالية، وعلى التغطية الاستخباراتية للبنان، والإعداد الجيد للجبهة الداخلية في إسرائيل، الأمر الذي يعني ضمناً أنها ستشكل الجبهة الأساسية في أية مواجهة مستقبلية.
     
  • انطلاقاً من هذا كله يمكن اعتبار حرب لبنان بمثابة فشل تكتيكي أثمر عن نجاح استراتيجي جزئي هو الهدوء على الحدود. قد يسارع البعض إلى القول إن ما جرى بعد عملية "الرصاص المسبوك" كان العكس تماماً، إلاّ إن وضع حزب الله أكثر تعقيداً، فصحيح أن الحزب حسّن من دقة صواريخه وزاد مداها، لكن القرار الذي اتخذه بنقل منصات إطلاق هذه الصواريخ من الأراضي المفتوحة إلى داخل المدن والبلدات الشيعية في الجنوب اللبناني قد يظهر فيما بعد أنه كان قراراً خطأً، ويمكن أن يشكل فخاً له. وأظهرت التسريبات التي نشرتها الصحف عن انتشار حزب الله داخل القرى اللبنانية حجم المتابعة الاستخباراتية الإسرائيلية لما يحدث داخل حزب الله، الأمر الذي من شأنه أن يقلق نصر الله.