دروس إسرائيل من الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية في الحزب الجمهوري
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

·       شهدت الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية في الحزب الجمهوري هذا الأسبوع منعطفاً جديداً مع فوز ميت رومني في ولاية إيلينوي. وعلى الرغم من فوز المرشح المحافظ ريك سانتروم في ولاية لويزيانا، إلاّ إنه من المتوقع أن يصبح رومني مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية. وهنا نطرح السؤال التالي: ما هي الدروس التي يتعين على دولة إسرائيل أن تستخلصها من هذه المعركة الانتخابية؟

·       يدل النقاش بشأن السياسة الخارجية الذي شهدته هذه المعركة الانتخابية على مدى تغير المزاج العام للجمهور الأميركي عمّا كان عليه سنة 2008. ففي تلك السنة شكل الوجود الأميركي العسكري في العراق موضوع جدل حاد، وقد بنى باراك أوباما حملته الرئاسية على معارضته الحرب في العراق، يومها هاجم جون ماكين [المرشح الجمهوري] موقف أوباما هذا ورأى فيه تعبيراً عن ضعفه وعن ثقافته الليبرالية السياسية. ولقد أدت مسائل، مثل الحرب ضد الإرهاب ومصير معسكر الاعتقال في غوانتنامو، دوراً مهماً في المعركة الانتخابية آنذاك.

·       وعلى الرغم من أن موضوع السياسة الخارجية لم يشكل القضية الأساسية في المعركة الانتخابية الرئاسية سنة 2008، باستثناء الأزمة المالية العالمية التي نشبت في صيف تلك السنة، إلاّ إن الاختلاف بشأن موضوع السياسة الخارجية بقي حاداً بين الأحزاب المتنافسة. ولقد تعامل جمهور الناخبين الأميركيين مع هذا الاختلاف بصفته يعكس الهوية الثقافية للمرشحين إلى الرئاسة. ولوحظ  يومها انسياق الناخبين المحافظين وراء المرشحين الذين انتهجوا عقيدة مؤيدة للخط العسكري.

·       ويبدو أن المحافظين (cultural – conservatives) قد غيروا موقفهم في ربيع 2012. ففي المعركة الانتخابية الأخيرة وقف الجمهوريون ضد النخبة من رجال الأعمال، التي يمثلها ميت رومني، ولم يظهروا دعمهم لسياسة خارجية صقرية. ومن الملاحظ أيضاً أن المرشح الجمهوري جون بول انتهج خطاً معاكساً عندما أعلن معارضته القاطعة لأي حرب في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من التراجع في شعبية جون بول، إلاّ إنه ما زال يحظى بتأييد نحو 20٪ من أصوات الناخبين، وهو يعتبر من أكبر المعارضين لتقديم المساعدة الأميركية العسكرية إلى إسرائيل وللتعاون معها. صحيح أن مؤيديه لن يتبعوا مرشحاً آخر يتبنى مثل هذه المواقف المتطرفة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، والتي يرفضها عدد من الجمهوريين، إلاّ إنه يمكن القول إن نظرة الناخب الجمهوري إلى السياسة الأميركية في العالم الإسلامي قد تبدلت. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "إي بي سي"، بالاشتراك مع صحيفة "واشنطن بوست"، أن 47٪ من الجمهوريين يعارضون اليوم الحرب في أفغانستان، ونحو 47٪ آخرين يؤيدونها، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الجمهوريين المؤيدة لهذه الحرب سنة 2007 نحو 85٪.

·       لقد شكلت الحرب في أفغانستان في الماضي جزءاً أساسياً من الحرب ضد الإرهاب التي أعلنها الرئيس جورج بوش، من هنا يُعدّ تخلي الحزب الجمهوري عنها اليوم تطوراً مهماً. ومن هذا المنظور قد تكون سنة 2012 هي السنة التي ستشهد نهاية حقبة المحافظين الجدد.

·       حتى الآن، لم تؤد التغييرات التي بدأت تظهر وسط جمهور الناخبين الجمهوريين إلى تغيير مواقف المرشحين الجمهوريين إزاء إسرائيل، إذ يواصل هؤلاء المرشحون توجيه انتقاداتهم إلى أوباما لعدم تقديمه الدعم الكافي لإسرائيل، ويتنافسون على إظهار دعمهم لها.

·       لكن على الرغم من هذا كله، فإن المواقف الجديدة للجمهوريين تعتبر مؤشراً على تغيير ما بالنسبة إلى الإسرائيليين. فطوال العقد الأخير جهدت إسرائيل من أجل تصوير الحرب ضد الإرهاب على أنها مصلحة مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة، واعتاد زعماء إسرائيل على قول ما قاله نتنياهو أمام مؤتمر إيباك سنة 2011: "سنخوض معاً الحرب ضد الإرهاب." بيد أن الحديث عن الحرب ضد الإرهاب بات اليوم مستهلكاً ومرهقاً حتى في أوساط الجمهوريين، وذلك في ظل الأجواء التي تسود حالياً الرأي العام في الولايات المتحدة. ومع استمرار هذه التوجهات وسط الرأي العام الأميركي، ستضطر إسرائيل إلى تغيير الرسالة التي تنقلها إلى السياسيين الأميركيين وإلى الجمهور الأميركي، ولا سيما في ظل عدم الارتياح الذي يشعر به هذا الجمهور إزاء إمكان نشوب حرب قي الشرق الأوسط. ومن حسن الحظ أن جمهور الناخبين الجمهوريين وجد أساساً جديداً لمواقفه المؤيدة لإسرائيل من خلال المواقف الدينية للمسيحيين الإنجيليين [أصحاب المواقف المؤيدة لدولة إسرائيل لأنهم يتعبرونها تحقيقاً لنبوءة إنجيلية].

·       في المدى القصير، ستظل إيران في مركز الاهتمام، لكن بقاءها هناك مرتبط بنجاح وقف مشروعها النووي. وهذا النجاح، سواء أكان نتيجة عمل عسكري أم نتيجة الجهود الدبلوماسية والعقوبات، سيشكل دليلاً على التعاون الأميركي – الإسرائيلي.

بناء على ما سبق، يتعين على إسرائيل أن تنقل رسالة جديدة إلى الجمهور الأميركي. فقد تركزت الجهود الإسرائيلية خلال الأعوام الأخيرة على الأقليات وعلى الليبراليين في ظل اتساع الفجوة بين الأحزاب الأميركية إزاء تأييد إسرائيل. على إسرائيل مواصلة هذه الجهود، لكن ينبغي ألاّ يتعامل القادة الإسرائيليون مع مسألة تأييد الجمهوريين لهم باعتبارها أمراً مفروغاً منه، إذ تدل الحملة الانتخابية في سنة 2012 على تبدل في مواقف المحافظين في الولايات المتحدة في مجال السياسة الخارجية. والدرس الذي يجب أن تتعلمه إسرائيل من هذه المعركة هو أن عليها أن تجدد رسالتها وتجعلها أكثر ملاءمة للأجواء الجديدة، وألاّ تجعلها مرتبطة بشعارالحرب على الإرهاب.