· بعد مرور ثلاثة أعوام على تشكيل حكومة نتنياهو، نجد أن هناك إنجازات وإخفاقات لا يمكن تجاهلها. ومن بين النجاحات يمكن الإشارة إلى أمرين أساسيين هما: غياب الإرهاب إلاّ في حالات نادرة، وعدم وقوع هجمات كبيرة، إذ إن جميع الصواريخ التي تطلق من غزة تسقط على وجه العموم في أراض مفتوحة، وسواء أكان هذا يعود إلى قرار داخلي اتخذته حركة "حماس" أم إلى التنسيق الأمني بين الجيش الإسرائيلي والقوى الأمنية في السلطة الفلسطينية، فإن هدوءاً أمنياً نسبياً يسود في الفترة الأخيرة.
· كذلك يمكن التوقف أمام الوضع الاقتصادي الجيد، إذ تشهد إسرائيل نمواً أفضل من النمو الحاصل في الدول الغربية، ويبدو حجم الدين العام مقبولاً مقارنة بالدخل القومي، وحدث تراجع في معدلات البطالة. ومع ذلك، ما زال أمامنا عمل كثير للقيام به، ولا سيما في مجال إلغاء الفروقات بين الطبقات الاجتماعية، فلم يسبق أن شهدنا موجة احتجاجات اجتماعية مثل تلك التي شهدناها في الصيف الماضي. وعلى الرغم من ذلك، تعتبر إسرائيل نموذجاً اقتصادياً ناجحاً مقارنة بدول الغرب الغارقة في أزمة.
· على الصعيد الدولي، طرأ تدهور على مكانة إسرائيل. ومما لا شك فيه أن وضع إسرائيل في الخارج سنة 2012 هو أصعب مما كان عليه في الأعوام العشرين الأخيرة. فثمة حركات في العالم، في أوروبا والولايات المتحدة، تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، وهي تتسبب بضرر حقيقي لتسويق المنتوجات الإسرائيلية في العالم. وباتت مشاركة الشخصيات الإسرائيلية الرسمية في مناسبات أكاديمية في جامعات العالم عملاً بطولياً، ولا سيما في ظل تصاعد مشاعر العداء لإسرائيل وسط الجيل الشاب في الدول الغربية، وهذا أمر مدعاة للقلق الشديد.
· ومن أهم إخفاقات الحكومة الجمود السياسي. فقد توقفت المفاوضات مع الفلسطينيين، والانطباع العام هو استحالة حدوث تقدم في الوقت الراهن لأن بنيامين نتنياهو غير مستعد لدفع ثمن السلام.
· على صعيد علاقاتنا بدول المنطقة، تشهد علاقتنا بمصر والأردن تراجعاً كبيراً، وقد أوقف العمل في الممثلية الإسرائيلية في قطر. وفي هذه الأثناء تحولت تركيا إلى دولة معادية لنا تقريباً، ومن الصعب تفسير سبب تخلي إسرائيل عن تركيا الذي أدى إلى وضع جيو- استراتجي جديد، وجعل إسرائيل تبدو أكثر عزلة مما هي عليه فعلياً.
· وبدلاً من أن تسعى الحكومة للبحث عن سبل جديدة للتعامل مع التطورات الأخيرة التي تشهدها دول الشرق الأوسط، نراها تقف جامدة، وتنظر إلى الربيع العربي مكتوفة الأيدي اعتقاداً منها أن أي تغيير سيكون ضد مصلحة إسرائيل.
· على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة، تبدو العلاقة الشخصية بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية صعبة للغاية، حتى لو كانت شبكة العلاقات الأمنية بين البلدين جيدة جداً، إلاّ إن هذا لا يكفي. فثمة اختلاف كبير بين العلاقة التي كانت سائدة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحق رابين وبين الرئيس الأميركي كلينتون، وبين العلاقة الحالية بين أوباما ونتنياهو التي يشوبها الكثير من الرياء والخلافات، ولا سيما بعد أن بدا نتنياهو كأنه حليف للجمهوريين، أخصام أوباما السياسيين.
· قد يكون الموضوع الإيراني هو "النجاح" الكبير الذي حققته حكومة نتنياهو. فقد تحول هذا الموضوع إلى أحد أهم الموضوعات على جدول الأعمال الدولي، وذلك، إلى حد كبير، بسبب التقدير أن إسرائيل قد تهاجم إيران، والرغبة في منعها من القيام بذلك. إلاّ إن هذا التغيير قد يكون مكلفاً للغاية، وذلك للأسباب التالية: أولاً، لأنه أعاد الموضوع إلى الإطار الإسرائيلي- الإيراني؛ ثانياً، لأنه زاد في تبعية إسرائيل للولايات المتحدة، فمن دون المساعدة التي ستقدمها إلينا أميركا لا يمكن أن نفكر في عملية عسكرية ضد إيران؛ ثالثاً، لأنه أظهر أن الصهيونية فشلت في بناء ملاذ آمن لليهود، وقد يكون هذا أهم خطأ ارتكبه نتنياهو.
· لم يذهب نتنياهو إلى أميركا كي يقول إننا أسياد مصيرنا، وأن لدينا القوة للمحافظة على أمننا، وإنما ذهب ليقنع الإدارة الأميركية بالتحرك في أقرب وقت ممكن ضد إيران. وهو عندما يقف أمام مؤتمر إيباك ويحدثهم عن فشل يهود أميركا سنة 1944 في إقناع الرئيس الأميركي روزفلت بقصف سكك القطارات المؤدية إلى معسكرات الإبادة، فإنه في الواقع يقول لهم بأن عليكم هذه المرة إقناع الرئيس الأميركي بقصف إيران، ومثلما تحركوا سابقاً من أجل إنقاذ يهود أوروبا، عليهم التحرك اليوم لإنقاذ يهود إسرائيل. وهذه هي الرسالة الحقيقية، الأمر الذي يعني أن الحركة الصهيونية بقواها الذاتية فشلت في بناء ملاذ آمن، وهذا خطأ كبير.
· على صعيد وضع الديمقراطية في إسرائيل، فقد اقترف نتنياهو خطأ كبيراً عندما عين أفيغدور ليبرمان وزيراً للخارجية اعتقاداً منه أن ذلك سيؤدي إلى تحييد ليبرمان عن عملية اتخاذ القرارات وعن الحوار الثنائي مع الإدارة الأميركية، وسيقلص الأضرار. إلاّ إن الضرر الذي لحق بصورة إسرائيل نتيجة تصريحات ليبرمان المتطرفة، جعل بقاءه في هذا المركز الدبلوماسي الأول عبئاً ثقيلاً وخطراً.
· كذلك ألحقت مجموعة القوانين التي أقرها الكنيست من خلال تصويت الأكثرية الإئتلافية عليها ضرراً بحرية التعبير وبالأقلية العربية وبالقيم الأساسية التي ميزت مجتمعنا الإسرائيلي. وحدث هذا كله بسبب مشاركة حزب إسرائيل بيتنا في الإئتلاف الحكومي.
ربما تستطيع الحكومة اليمينية أن تدرج موضوع المستوطنات في إطار نجاحاتها الكبرى، إذ لم تتم أي عملية إخلاء لمواقع استيطانية، في الوقت الذي تتواصل فيه أعمال البناء في المناطق بشكل يتعارض مع ما يطالب العالم إسرائيل به.