ماذا ينتظرنا بعد جولة العنف الأخيرة في غزة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·       استطاعت منظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية الصنع والمُعدَّة لاعتراض الصواريخ أن تجتاز بنجاح اختبارها العملاني الأول وأن تحقق إنجازات مهمة. فقد نجحت في التمييز بين الصواريخ التي ستسقط في الأماكن المفتوحة وتلك التي تستهدف المناطق المأهولة، وامتنعت من هدر إمكاناتها على النوع الأول من الصواريخ مع التركيز على النوع الثاني، وبهذه الطريقة استطاعت اعتراض نحو 80٪ منها، الأمر الذي أدى إلى تجنب وقوع قتلى وإصابات بين الإسرائيليين أو وقوع أضرار كبيرة. وقد ساهمت هذه النتيجة في تبرير التكلفة الاقتصادية للمنظومة، وذلك على الرغم من الفارق الكبير بين التكلفة الضئيلة للصواريخ والقذائف التي تطلق من قطاع غزة على إسرائيل، وبين التكلفة الباهظة للصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية.

·       لكن، وعلى الرغم من هذا الإنجاز، فإن "القبة الحديدية" لم تغير "قواعد اللعبة"، فقد فشلت المنظومة في اعتراض 20٪ من الصواريخ ، واضطُر المدنيون من سكان المناطق المستهدفة بالقصف إلى ملازمة الملاجىء، وأغلقت المدارس أبوابها، وأُلغيت المناسبات العامة. ويمكن القول إن الدفاع الفعال لا يمكن أن يكون ناجعاً مئة في المئة، وهو لا يلغي الحاجة إلى الدفاع السلبي [passive]، كما أنه لا يستطيع الحؤول دون تعطيل الحياة في المناطق المعرضة للقصف.

·       يضاف إلى ذلك، أن نجاح "القبة الحديدية" في اعتراض 80٪ من الصواريخ لم يكن كافياً لإقناع مطلقي الصواريخ من غزة بوقف قصفهم، وما أوقفه العمليات الهجومية [التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي]، والتي أدت إلى مقتل المشاركين المباشرين في عمليات القصف. بكلام آخر، لا يتحقق الردع إلاّ من خلال العمليات العقابية.

·       في الجولة الأخيرة، امتنعت إسرائيل من التهديد بالتصعيد كي لا تلحق خسائر كبيرة بحياة المدنيين الفلسطينيين، وبسبب الرغبة في عدم تحويل الاهتمام الدولي بعيداً عن الساحة السورية والإيرانية. إلاّ إن هذا الوضع قد يتبدل في الجولة المقبلة.

·       في الجولة الأخيرة من المواجهات، كانت المؤسسة العسكرية المصرية هي الوسيط الوحيد في الموضوع، وجاء تحرك المصريين على خلفية إدراكهم أن استمرار القتال والتصعيد لا يخدم مصالحهم. لكن، قد لا تستطيع المؤسسة العسكرية المصرية مواصلة القيام بهذا الدور مستقبلاً في ظل عدم الاستقرار السياسي في مصر. فمن المنتظر أن تجري الانتخابات الرئاسية المصرية في أيار/مايو 2012، ومن المحتمل أن تجري دورة ثانية (إذا دعت الحاجة إلى ذلك) في حزيران/ يونيو، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما ستكون عليه نتائج هذه الانتخابات. والأهم من ذلك كله أنه لم يتم بعد إقرار الدستور المصري الجديد، وليس واضحاً ما ستكون عليه صلاحيات الرئيس، وما هو ميزان القوى بينه وبين المؤسسة العسكرية. بيد أن أغلبية المراقبين تتوقع أن تحافظ المؤسسة العسكرية على مكانتها الأساسية في مجالي السياسة الخارجية والأمن، وتستبعد أن يضعف الدور السياسي للقوات المسلحة مثلما حدث في تركيا في الأعوام الأخيرة. ومع هذا كله، يمكن أن يؤدي وصول رئيس جمهورية إسلامي أو ناصري/ قومي إلى سدة الحكم، بالإضافة إلى البرلمان المصري الذي يسيطر عليه الإسلاميون، إلى تعزيز النظرة القائلة بأن الدور الصحيح لمصر في الجولة المقبلة من العنف في غزة يجب ألاّ يكون محصوراً في تأييد وقف إطلاق النار، وإنما يجب أن يدعم الأطراف الإسلامية في غزة.

·       وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من سيطرة حركة "حماس" على غزة منذ سنة 2007، إلاّ إنها ليست الجهة التي فرضت مسار الأحداث الأخيرة، وإنما مَن فعل ذلك هو الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية. فليست "حماس" هي التي بادرت إلى التصعيد، وإنما كانت الطرف الذي دعم علناً العودة السريعة إلى التهدئة. لكن من جهة أخرى لا تبدي "حماس" أي رغبة في قمع الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية، مثلما تفعل مثلاً مع أنصار حركة "فتح".

لم تتنازل "حماس" البتة عن أيديولوجيتها المتطرفة، لكن الأوضاع التي تعمل في ظلها حالياً تفرض عليها إظهار قدر معين من البراغماتية في مواقفها.