معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي قال رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية إن لدى إسرائيل معلومات تدل على أن قوات الأسد استخدمت في عدد من المرات، ضد الثوار، سلاحاً كيميائياً مميتاً من نوع السارين، ومواد حربية كيميائية تشلّ الحركة. وقد أثار هذا الكلام أصداء واسعة في العالم، لأنه، ولأول مرة، يصدر عن مصدر إسرائيلي رسمي ورفيع المستوى.
· ثمة أكثر من سؤال يطرح نفسه هنا: ما حجم استخدام المواد الحربية الكيميائية، وما نوع الهجوم الذي استُخدمت فيه، وضد أي هدف، ومَن استخدم هذا السلاح، وما هي الأدلّة التي تثبت ذلك؟
· تملك سورية منظومة سلاح كيميائي شاملة، فضلاً عن منظومة عسكرية كاملة تتضمن قنابل تطلق من الجو وصواريخ. ويُعتبر غاز السارين أهم مادة في المواد الحربية الكيميائية السورية، وهو ينتمي إلى مجموعة غاز الأعصاب، ويُعتبر سلاحاً كيميائياً مميتاً. وفي ظل الحرب الدائرة في سورية، طرحت جهات متعددة سيناريوهات متنوعة لاستخدام هذه المجموعة من الأسلحة الكيميائية، بينها استخدام قوات الأسد هذا السلاح ضد الثوار، أو نقل مواد من هذا السلاح إلى تنظيمات متطرفة مثل حزب الله، أو استخدام هذا السلاح ضد إسرائيل في حركة يأس من جانب الأسد، وغير ذلك. وخلال العام الماضي جرى الحديث عن قيام سورية بتوزيع مواد من منظومتها للسلاح الكيميائي على قواعدها العسكرية، وعن البدء باستعدادات عسكرية في هذه القواعد ورفع الجهوزية. وقد دفع ذلك عدة دول، وفي مقدمها الولايات المتحدة وحتى روسيا، إلى إرسال تحذيرات حادة إلى الرئيس السوري تحذره من مغبة استخدام هذا السلاح. وصرّح الرئيس أوباما وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية أن استخدام هذا السلاح هو بمثابة "خط أحمر"، أو العامل الذي "سيغير قواعد اللعبة" (game changer)، ويفرض اتخاذ خطوات رداً عليه.
· لكن تحديد "الخط الأحمر" ظل غامضاً، نظراً إلى أنه لم توضع معايير واضحة لاستخدام السلاح الكيميائي، ولم تُذكر تفصيلات الخطوات التي ستُتخذ رداً على ذلك من جانب الولايات المتحدة. وفي هذه الأثناء برزت معلومات تحدثت عن قيام الولايات المتحدة، وبمساعدة دول صديقة إقليمية، بوضع خطة للسيطرة عسكرياً على مخازن السلاح وحمايتها، أو تفجيرها من الجو وتدميرها.
· في الأشهر الأخيرة برزت معلومات تحدثت عن استخدام فعلي لهذا السلاح، أو استخدام مواد كيميائية، وأهم حادث جرى في 19 آذار/ مارس في حلب، حيث تحدثت التقارير عن مقتل نحو 25 شخصاً وإصابة آخرين. يومها تبادل الطرفان الاتهامات، فاتهم نظام الأسد الثوار بأنهم استخدموا سلاحاً كيميائياً، وردّ عليه الثوار باتهامات مضادة.
· والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا جرى فعلاً في حلب؟ وهل جرى استخدام السلاح الكيميائي هناك؟ للتحقق من ذلك بصورة قاطعة، فإن المطلوب هو وجود عدد من المعطيات على أكثر من مستوى.
· لقد اقتصر ما نشرته وسائل الإعلام عن الحادث في حلب على شهادات ووصف معين لما جرى على الأرض، ومقاطع من صور بثها التلفزيون لمصابين في المستشفيات، من دون وجود شهادات موثوق بها تؤكد استخدام مواد كيميائية. ولا يمكننا هنا أن نستبعد أن ما جرى هو استخدام مواد كيميائية صناعية أو سامة أُخرى موجودة في ساحات القتال. ويومها طُرح إمكان أن يكون سبب التسمم مادة الكلور الصناعي ، لكن بدا ذلك مفتقر إلى الصدقية. ويمكن القول إن الصور التي عُرضت لمصابين يعالَجون في المستشفيات لا تشكل دليلاً قاطعاً على استخدام مواد حربية كيميائية.
· في الفترة الأخيرة اكتشف بعض المختبرات المتخصصة في بريطانيا وفرنسا لدى فحصه عينات من التربة، وجودَ مواد تدل على استخدام مادة كيميائية حربية، هي غاز السارين. وقد ادّعى رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن لدى إسرائيل أدلّة جديدة، لم تُعرف ما هي وما إذا كانت تشكل دليلاً قاطعاً على استخدام السارين. وإذا كانت قوات الأسد استخدمت فعلاً سلاحاً كيميائياً، فإن من الصعب تحديد دوافع هذا العمل، فالهجوم كان محدوداً وأوقع عدداً قليلاً نسبياً من المصابين ولا أهمية مباشرة له من الناحية العسكرية؟ أهل كان المقصود إشارة تحذير من جانب الأسد إلى الثوار؟ أم المضي حتى النهاية لاختبار ردة الفعل؟
· من المعلوم أن الموقف الأميركي الرسمي الآن هو أنه توجد أدلّة أولية يجب التحقق منها قبل الحكم بصورة قاطعة بأنه جرى فعلاً استخدام مواد كيميائية حربية. وهنا يبرز السؤال: هل الموقف الأميركي القائل بعدم وجود أدلّة قاطعة على استخدام المواد الكميائية هو موقف سببه أنه لم تتوافر بالفعل في نظر الأميركيين أدلّة قاطعة على استخدام سلاح كيماوي، أم إنه موقف تتداخل فيه المصالح السياسية؟ ذلك أن الاعتراف الأميركي باستخدام المواد الكيميائية سيفرض على الإدارة الأميركية الرد، كي لا تتضرر صدقية الرئيس في حال عدم الرد.
· وممّا لا شك فيه أن احتمالات الرد ليست بسيطة أبداً لأن بعضها يتطلب وجوداً على الأرض(boots on the ground)، وهذا ما يحاول الأميركيون تجنّبه.
· إن خطة السيطرة بالقوة على المخازن ومستودعات السلاح الكيميائي معقدة جداً، وتتطلب دخول قوات كبيرة إلى سورية، وتنطوي على مخاطر كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن القصف الجوي، وتدمير المخازن ومنشآت المنظومة الكيميائية، ممكنان من الناحية العسكرية والتقنية، ويستطيعان التسبب بأضرار كبيرة جداً، لكنهما قد لا يستطيعان القضاء عليها قضاء مبرماً. علاوة على ذلك، فإن القصف الجوي ينطوي على خطر تضرر السكان المدنيين الذي يقطنون بالقرب من المنشآت المقصوفة.
· يجب ألاّ ننسى أن منظومة السلاح الكيميائي والبيولوجي الضخمة التي بناها حكّام سورية تشكل، في نظر السوريين، معطى أساسياً في تحقيق التوازن الاستراتيجي في مقابل قدرات إسرائيل التقليدية وغير التقليدية. ونظراً إلى الغموض الذي يحيط بمستقبل سورية كدولة، فإن من المحتمل جداً، ومن دون أي صلة بما إذا كان هذا السلاح قد استُخدم أم لم يُستخدم في سورية، وقوعَ هذه المنظومة الضخمة أو أجزاء كبيرة منها في أيدى التنظيمات المتشددة التي قد تسيطر على سورية مستقبلاً، أو على أجزاء كبيرة منها.
· بناء على ذلك، فإن على المجتمع الدولي، وفي طليعته الدول الكبرى، إعداد خطة شاملة لتدمير المنظومة الكيميائية والبيولوجية وذلك ضمن مخطط شامل يهدف إلى تسوية الوضع في سورية. وفي حال عدم حدوث ذلك، فإن مخزون هذا السلاح سيشكل خطراً دائماً على العالم كله وعلى دول المنطقة، وخصوصاً إسرائيل.