على الولايات المتحدة وإسرائيل التعاون لمنع إيران من الالتفاف على الخط الأحمر
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       امتنع وزير الخارجية الأميركي، تشاك هيغل، الذي قام هذا الأسبوع بأول زيارة له لإسرائيل منذ تسلّمه منصبه، من استخدام مصطلح الخط الأحمر، الذي شغل حيزاً أساسياً في العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية خلال النصف الثاني من سنة 2012.

·       لقد استطاع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، جذب اهتمام العالم عبر الخطاب الذي ألقاه في الأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر الماضي، وذلك عندما وضع خطاً أحمر أمام المشروع النووي الإيراني. واقترح في خطابه معالجة الأمر حتى فصل الربيع الحالي، أي بحلول الوقت الذي تُجمع الآراء على أنه سيكون لدى إيران كميات من اليورانيوم المخصب على درجة 20% تكفي لصنع قنبلة نووية، ومنذ تلك اللحظة ستستطيع إيران خلال30 - 40 يوماً، تحويل اليورانيوم من وقود يُستخدم في مفاعل نووي إلى وقود يُستخدم في إنتاج السلاح، وذلك في حال قررت "الانطلاق" نحو القنبلة.

·       وفي الواقع، فإن أحداثاً كثيرة وقعت منذ ذلك الوقت، مثل الانتخابات في الولايات المتحدة وإسرائيل، وزيارة الرئيس باراك أوباما لإسرائيل، وكلها ساهم في التغطية على مسألة الخط الأحمر. من جهة أُخرى، فإن التطورات التي مرّ بها المشروع النووي الإيراني في الأشهر الأخيرة أثارت بعض التفاؤل في إسرائيل. فقد أشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأمم المتحدة إلى انخفاض في كميات اليورانيوم المخصب بدرجة 20%، وذلك على عكس ما جاء في التقارير السابقة للوكالة، والتي كانت تشير إلى ارتفاع مستمر في معدلات تخصيب اليورانيوم. ومن المحتمل أن تكون إيران قد قررت تحويل جزء من اليورانيوم المخصب بعيداً عن مشروعها النووي.

·       ورأى مسؤول إسرائيلي كبير في هذا دليلاً على أن إيران "استوعبت خطنا الأحمر"، وأنه يثير أملاً ضعيفاً بإيجاد حل للمشكلة النووية بطريقة دبلوماسية. واعتقد إسرائيليون كثر أنه حسناً فعل نتنياهو عندما وضع خطاً أحمر أمام إيران.

·       لكن أولي هاينونن، النائب السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومراقباً نووياً رفيع المستوى، رأى في مقال نشره في المدة الأخيرة مع زميل له هو سايمون هندرسون، أن الوضع أكثر تعقيداً ممّا يبدو. وهو يتفق مع التقديرات التي ترجّح انخفاض كميات اليورانيوم المخصب بدرجة 20%، لكنه يصل إلى استنتاج مختلف هو: إيران لم تلتزم الخط الأحمر، وإنما وجدت طريقة للالتفاف عليه.

·       فإذا كانت إيران قادرة على إخفاء كميات اليورانيوم المخصب التي تنتجها فعلياً، فإن هذا سيجعل الخط الأحمر الذي وضعته إسرائيل شكلياً. ويرى هاينونن أن إيران تخطّت الخط الأحمر الذي وضعه نتنياهو، وهو 250 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بدرجة 20%، وفي تقديره، واستناداً إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإيران تملك اليوم نحو 280 كليوغراماً، إلى جانب المادة التي سبق أن جرى تحويلها.

·       وفي ظل الاحتمال، غير المؤكد، أن تكون إيران تتلاعب بالخط الأحمر، فإن من المفروض أن يكون التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة وثيقاً أكثر من أي وقت مضى. فقد شكّل التعاون في الماضي بين وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك تعبيراً عن رغبة الطرفين في العمل معاً على أعلى المستويات. واليوم، مع استلام هيغل منصبه وتعيين موشيه (بوغي) يعلون وزيراً للدفاع، فإن دينامية التعاون يجب أن تبقى قوية. لقد كان باراك معروفاً جداً في واشنطن، وكان في إمكانه الوصول بسهولة إلى الأطراف الرفيعة المستوى في البيت الأبيض وفي البنتاغون ووزارة الخارجية. وحتى يعلون سبق أن زار مرات عديدة الولايات المتحدة، عندما كان رئيساً لأركان الجيش، لكن منصبه الحالي يضعه في مواجهة تحديات أكبر من الماضي.

·       من جهة أُخرى، فإن هيغل، الذي صوّرته الشائعات، قبل تعيينه في منصبه، على أنه من مؤيدي فكرة القبول بالقنبلة الإيرانية، يريد أن يثبت التزامه الحقيقي بموقف أوباما الرافض لذلك، وسيتعاون مع إسرائيل من أجل منع إيران من أن تصبح دولة نووية.

·       إن موقف واشنطن من يعلون ليس موقفاً أحادي الاتجاه. فعلى الرغم من أنه يُعتبر صقرياً أكثر كثيراً من الإدارة الأميركية حيال المسألة الفلسطينية، فإنه من جهة أُخرى يُصوّر على أنه من المؤيدين لاستخدام القوة ضد إيران كمخرج أخير فقط، وذلك على عكس باراك الذي كان من أشد المؤيدين لهجوم عسكري. لكن يعلون ليس مع عملية الاحتواء، فإذا فشلت المساعي الدبلوماسية، ولم تتحرك الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن يدفع يعلون قدماً في اتجاه هجوم إسرائيلي.

 

·       وتجدر الإشارة إلى أن يعلون هو واحد من الذين بقوا مع نتنياهو من طاقم "الثمانية" الذي عمل خلال الكنيست الماضي على معالجة المشروع النووي الإيراني. وستسمح له خبرته في هذا المجال بأن يؤدي دوراً أكبر في عملية اتخاذ إسرائيل قراراتها، كما ستساعده في محادثاته مع واشنطن. ومن هنا يمكن القول إن زيارة هيغل هذا الأسبوع هي جولة أولى في إطار المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى التنسيق المطلوب بينه وبين يعلون.