من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
· في 10 آذار/مارس من العام الماضي وتحديداً بعد مرور شهر ونصف الشهر على المقابلة التي أجرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" مع الرئيس بشار الأسد، والتي أكد فيها أن سورية ستبقى واحة للهدوء والاستقرار في المنطقة، اندلعت المواجهات في مدينتي درعا والحسكة ومعها بدأت الثورة السورية. يومها تنبأ المحللون والمعلقون بأن سورية تسير على خطى مصر وليبيا، وأن أيام الأسد في الحكم باتت معدودة، وذهب البعض في توقعاتهم بأن سقوط الأسد سيتم في غضون أسابيع أو أشهر كحد أقصى. لكن هذه التوقعات لم تتحقق، فلا يزال الأسد يسيطر على السلطة في بلده، وما زالت النخبة الحاكمة في سورية ملتفة حوله، ولم يتجاوز عدد المنشقين من الجيش الـ 30-40 ألف جندي، بينهم عدد قليل من الجنرالات وصغار الضباط الذين لا يشكلون خطراً على القوات النظامية في سورية، كما أن الدعم الذي يحظى به الأسد من روسيا والصين وإيران ما زال قادراً على لجم أي هجوم عسكري خارجي على نظامه.
· ما الذي يجعل سورية تختلف عن ليبيا؟ وما هو السبب الذي يجعل أغلبية دول الغرب والدول العربية غير مستعدة للقيام بهجوم على النظام السوري؟ إن الفارق الأساسي بين سورية وليبيا يكمن في موقع سورية الاستراتيجي وفي تحالفها مع إيران وروسيا. قبل بضعة أسابيع أوضح عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية لـ "هآرتس"، أن الخوف الأساسي هو من أن يؤدي الهجوم العسكري على سورية إلى رد إيراني في الخليج الفارسي. وقال دبلوماسي أميركي عمل لأعوام عديدة في الشرق الأوسط إنه "يكفي أن تفتح إيران النار على أهداف في البحرين أو في الخليج كي تنشأ أزمة دولية تحول الأنظار من سورية إلى الخليج."
· ومن الأمور الأخرى التي تثير القلق ردة فعل روسيا التي شعرت بأنها خُدعت في موضوع ليبيا عندما وافقت على قرار مجلس الأمن بإقامة مناطق حظر جوي لأسباب إنسانية ولحماية المدنيين الليبيين، فإذا بقوات الناتو تستخدم القرار للبدء بهجوم واسع على قوات القذافي شمل هجمات من الجو وقصف صاروخي من البحر، وقد استُبعدت روسيا عن المعركة الدائرة في ليبيا، الأمر الذي جعلها تخسر فرصة التحالف مع النظام الجديد.
· إن الدروس المستخلصة من تجربة ليبيا هي التي جعلت روسيا في طليعة المعارضين لأي عملية عسكرية ضد سورية، وقد ترافق هذا الموقف مع إظهار روسيا دعمها اللوجستي للأسد، من خلال إرسال سفنها إلى ميناء طرطوس في سورية حيث تملك قاعدة بحرية، ومن خلال التصريحات الحادة بأنها لن تسمح بهجوم عسكري على سورية.
· دفعت التهديدات الإيرانية والروسية دول الناتو ودول الاتحاد الأوروبي إلى الاقتناع بأن الأسد عو عكس القذافي الذي لم يكن يحظى بالدعم الاستراتيجي من أي دولة عظمى. فعلى الرغم من ضعف الأسد العسكري، وعدم امتلاك بلده ثروات طبيعية تستحق القتال من أجلها، ومع أن دولته على حافة الإفلاس، إلاّ إنه قادر على أن يتسبب باندلاع حرب إقليمية. لكن، ومع ذلك، ليس فقط الدعم الاستراتيجي الذي يحظى به الأسد هو الذي حال دون سقوطه، فالدول العربية تمتنع من تقديم الدعم، الذي قدمته سابقاً لمهاجمة القذافي، من أجل مهاجمة الأسد. كذلك كانت فكرة إقامة مناطق حظر للطيران في ليبيا هي فكرة الجامعة العربية التي تقدمت بها إلى مجلس الأمن، وهي التي مهدت الطريق للهجوم على ليبيا، لكن فيما يتعلق بسورية فإن أغلبية الدول العربية ما زالت مترددة في هذا الشأن. فما هو السبب الذي جعل الدول العربية تدعم الهجوم على ليبيا وتتردد في اتخاذ موقف مشابه إزاء سورية؟ يبدو أن الجواب له علاقة بدروس الثورات العربية كما يراها عدد من الدول العربية، ولا سيما في ظل ما يحدث في مصر التي ما زالت تبحث عن سبيل لتحقيق الديمقراطية والتي بات مستقبلها السياسي بين أيدي الإخوان المسلمين، وفي ظل النزاع الذي تشهده ليبيا بين محافظتيها الشرقية والغربية والصراع بين العصابات التي تحاول السيطرة على أجزاء من المدن، ونتيجة الوضع في اليمن الذي بات مسرحاً لانفجار العبوات الناسفة وللحرب التي يشنها الأميركيون ضد القاعدة. جميع هذه الأسباب لا تشجع الدول العربية على تقديم المساعدة من أجل إسقاط النظام في سورية في وقت ما زال فيه البديل مجهولاً.
· وهنا يكمن العائق الأساسي الذي يميز سورية عن ليبيا حيث برزت منذ المراحل الأولى للثورة معارضة قوية ذات قيادة وجيش، كما كان انهيار الجيش الليبي سريعاً، وساهم الاتفاق بين المواطنين والمقاتلين والزعامة الجديدة في ليبيا في تقديم البديل الحقيقي للسلطة هناك.
· في المقابل، ما زالت المعارضة السورية بعيدة عن النموذج الليبي، فلا يملك الجيش السوري الحر، الذي لديه كتائب عسكرية في كل المدن السورية الكبرى، السلاح الذي كان لدى المعارضة الليبية، وما زال عدد دباباته محدوداً، وأغلبية السلاح الذي لديه هو عبارة عن رشاشات وبنادق وراجمات وقنابل. صحيح أن هذا الجيش يحصل على مساعدة مالية من السعودية وقطر، لكنه يواجه صعوبة في الحصول على السلاح وإدخاله إلى سورية، والأهم من هذا كله أن أغلبية المنشقين عن الجيش لم تنضم إلى صفوفه، وقد انضم عدد من هؤلاء إلى الجنرال مصطفى الشيخ الذي أقام مجلساً عسكرياً خاصاً به، وهو يقوم بعمليات مسلحة منفردة. وهذا التنظيمان العسكريان ( إلى جانب الميليشيات التابعة للعشائر) لا ينسقان عملياتهما مع المعارضة المدنية ولا مع المجلس الوطني السوري الموجود خارج سورية والذي يعاني هو أيضاً من الخلافات الداخلية. والحصيلة الإجمالية لهذا كله عدم وجود هيئة أو شخص في سورية يمكن الاعتماد عليه لأن يشكل بديلاً للحكم الحالي. وحتى لو وافقت الدول العربية على الطلب من قوات الغرب مهاجمة سورية، وحتى لو وافقت الدول الغربية على الطلب وقامت بإسقاط الأسد، فثمة حاجة إلى تعيين حكومة موقتة في وقت ليس معروفاً ما سيؤول إليه الوضع في سورية، هل سيكون مشابهاً لما حدث في العراق أم مشابهاً لما حدث في أفغانستان؟
لقد دخلت سورية العام الثاني للثورة، قد يبدو نظام الأسد متصدعاً لكنه لم ينهار. وما دامت كل من إيران وروسيا تقف إلى جانبه، وما دامت عائلة الأسد تسيطر على الجيش، وما دام الجيش يدعم هذه العائلة، وما دام الأسد لم يقرر التنحي شخصياً، فإن هذا النظام ما زال قادراً على الصمود.