معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
"إيران لا تعتزم تكرار تحذيرها... لقد غادرت حاملة طائرات العدو إلى بحر عُمان بسبب المناورات التي نفّذناها في مضيق هرمز. أقترح على حاملة الطائرات الأميركية عدم العودة إلى الخليج الفارسي."
عطاء الله صالحي، رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني، 3/1/2012
مدخل
نفّذت إيران في مطلع كانون الثاني/يناير 2012 إحدى أوسع المناورات البحرية في تاريخها (ولاية 90) شرقي مضائق هرمز. وتعتبر هذه المناورات، على غرار مثيلاتها في الأعوام الأخيرة، جزءاً من الاستعدادات العسكرية والحملة الدعائية التي تضمنت تهديدات واضحة بإغلاق المضائق.([1]) وتهدف هذه المناورات والتصريحات بشأن إغلاق المضائق، إلى ردع المجتمع الدولي عن مهاجمة إيران وعن اتخاذ خطوات خطيرة ضدها، دون مستوى الحرب وذلك ضمن إطار الحرب عليها، كالعقوبات القاسية أو الحصار البحري، وإلى رفع التكلفة المحتملة لأي مواجهة معها في المستقبل. وهكذا بدأت تتكرر تصريحات إيران بشأن عدم ترددها في إغلاق الممرات المائية، وأصبحت هذه التصريحات أكثر حدة، وذلك بهدف إقناع أعداء إيران بقدرتها العملانية على تنفيذ تهديدها بإغلاق هذه الممرات في أي نزاع مستقبلي.([2])
تناقش هذه الدراسة الفرص المتاحة أمام إيران من أجل تنفيذ تهديداتها، كما تتناول تداعيات سيناريو تعطيل حركة النقل البحري في المضائق التي تشكل ممراً لما نسبته 40٪ من تجارة النفط العالمية، وهو سيناريو غايته ردع المجتمع الدولي عن تشديد الضغوط السياسية على إيران، وعن استخدام القوة العسكرية لضرب منشآتها النووية.
تعتبر مضائق هرمز من أهم الممرات المائية في العالم، وكل تعطيل لحرية حركة ناقلات النفط العابرة فيها ينعكس فوراً على أسواق الطاقة العالمية، إذ إن نسبة 90٪ من الصادرات النفطية التي منشؤها الخليج [العربي الفارسي] تعبر هذه المضائق الخاضعة لسيادة كل من عُمان وإيران. ويبلغ اتساع المضائق 33 كيلومتراً في أضيق نقطة،([3]) بيد أن عرض قناة الشحن الدولية [ممر الدخول والخروج] أضيق بكثير، إذ لا يتجاوز 10 كيلومترات. ولقد عبر المضائق في سنة 2011 قرابة 17 مليون برميل من النفط في اليوم الواحد، أي بمعدل 15 ناقلة في اليوم كانت تنقل نفط العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وإيران والعراق (والغاز السائل من قطر)، إلى الأسواق الآسيوية أساساً. إن هذه المعطيات، بالإضافة إلى سيطرة إيران على بعض الجزر المركزية القريبة من المضائق، تمكّنها، نظرياً على الأقل، من تعطيل حركة النقل البحري بسهولة نسبية. ويتعين علينا أن نأخذ هذه المعطيات بالحسبان في أي سيناريو مواجهة مقبلة مع إيران.
وفي رأينا، إن ما يشاع بشأن قدرة إيران على إغلاق المضائق بصورة محكمة ولفترة طويلة، والذي يُطرح بين الفينة والأخرى،([4]) هو موضع شك، لأن لدى المجتمع الدولي اليوم أدوات أفضل من السابق لمواجهة كل تعطيل لحركة الملاحة في المضائق.وحتى لو افترضنا أن إيران قادرة فعلاً على إغلاق المضائق بصورة محكمة لفترة طويلة، فإن هذا من شأنه أن يتعارض مع مصالحها الحيوية، وأن يهدد استقرار النظام [الإيراني] ويلحق ضرراً بالاقتصاد الإيراني – أي بواردات المشتقات النفطية [مثل وقود السيارات]، وبعائــدات صادرات النفــط الخــام التــي تؤمن 80٪ من مداخيــل النظام - كما من شأن ذلك أن يؤدي إلى مواجهة مع أسطول الولايات المتحدة الأميركية، وأساطيل دول أخرى تتفوق على الأسطول الإيراني. ومن غير المستبعد أن يؤدي تعطيل إيران لحركة الملاحة عبر المضائق، إلى رد أميركي واسع النطاق قد يشمل، بالإضافة إلى مهاجمة معظم قدرات إيران البحرية، ضرب منشآت استراتيجية في إيران، ومن بينها المنشآت النووية. وقبل أن نحلل المنطق الكامن وراء تهديد إيران بإغلاق المضائق، وقدرتها على "شل" إمدادات النفط من الخليج، وخياراتها، وفرص نجاح هذا الخيار أو ذاك - وهي أسئلة مركزية في كل نقاش بشأن هذا الموضوع - يتعين علينا معرفة قدرة إيران الفعلية على تهديد حركة الشحن البحري في المضائق، وعلى إلحاق أضرار جسيمة بمنشآت النفط في العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى المصدرة للنفط.
وفي هذا السياق، يمكننا تقسيم قوة إيران العسكرية إلى سلاحين: القوة البحرية، والقوة الصاروخية.
أ- تهديد بحري مباشر لحركة النقل البحري في الخليج
أدى ضعف الأسطول البحري الإيراني النظامي والتفوق البحري الأميركي في منطقة الخليج، إلى إعطاء إيران الأولوية لشراء وبناء عدد كبير من الزوارق الصغيرة والسريعة (بعضها غير مأهول)، والغواصات الصغيرة جداً، كما عدّلت سفناً مدنية وحولتها لأداء مهمات عسكرية (وكان أسطول الحرس الثوري الإيراني الذي يشغّل هذه الزوارق والسفن، هو الذي تولى المسؤولية عن الخليج في سنة 2007). وقد جرى تجهيز بعض زوارق الحرس الثوري بصواريخ مضادة للسفن، وأُعدّ بعضها لزرع ألغام بحرية، والبعض الآخر حُمّل بالمتفجرات. ومن الأسباب التي أدت إلى اعتماد هذه الوسائل هي إمكان التبرؤ من المسؤولية عن أي اعتداء ينفَّذ بهذه الوسائل، على اعتبار أن الرد على هذا النوع من الاعتداءات سيكون أقل شدة إذا كان من الصعب إلقاء تبعته على إيران. من هنا، يتبين أن سلاح البحرية الإيرانية في الخليج قد اعتمد أسلوب حرب العصابات: غواصات صغيرة لإنزال قوات مغاوير، وزوارق سريعة لتنفيذ مهمات "الكر والفر" حسب تكتيك "السرب" swarm، أي هجوم متزامن لعدد كبير من الزوارق القادرة على المراوغة والتملص. ويشكل الطابع التكتيكي "البدائي" لهذه العمليات - التي تؤثر الكم على النوع - تحدياً في حد ذاته للأسطول الأميركي في أية مواجهة محتملة، لأنه يعوض عن تفوق الأسطول الخامس. على سبيل المثال، وعلى الرغم من تحسين الولايات المتحدة قدرتها على نزع الألغام البحرية (ولا سيما من خلال استخدام منصات غير مأهولة)، فإنها لا تزال تحتاج إلى مساعدة الدول الأخرى، في أية مواجهة مع إيران، من أجل نزع الألغام (لدى الولايات المتحدة أربع كاسحات ألغام "فقط" متمركزة بصورة دائمة في منطقة الخليج). وفي الأعوام الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام تقارير كثيرة عن حوادث استفزاز قامت بها زوارق وقوارب الحرس الثوري تجاه المراكب والسفن الغربية في الخليج. ولقد كان الطابع الاستعراضي لهذه المناوشات أكبر من ضررها الفعلي، حقاً، إذ لم تتعرض السفن الغربية إلى أي اعتداءات، إلاّ إن هذه الأعمال الاستفزازية أظهرت نيات إيران وقدراتها. كذلك شكلت هذه الاستفزازات رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية وفحواها أن إيران تعتبر منطقة الخليج بمثابة "ساحتها الخلفية"، وأنها لن تتردد في تدفيع من يهاجمها ثمناً باهظاً – ومؤخراً، كانت بمثابة رد فعل على تشديد العقوبات عليها. وفي سنة 2011، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من تصاعد حدة الاحتكاك بين الأسطولين، والناجم عن تزايد عدد الحوادث التي كان يمكن أن تتفاقم إلى مواجهة شاملة.([5]) ودفعت هذه الحوادث الولايات المتحدة إلى أن تقترح على إيران إقامة "خط اتصال مباشر" (خط ساخن) بين الأسطولين، لكن إيران رفضت هذا الاقتراح بحجة أن الوجود الأميركي في الخليج غير شرعي.([6])
ب- تهديد صاروخي غير مباشر للمنشآت العسكرية والنفطية على السواحل الغربية للخليج
تحتفظ إيران بترسانة من صواريخ أرض-أرض هي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. وتشمل هذه الترسانة بحسب التقديرات نحو ألف صاروخ بمدى يتراوح بين 150 و2000 كلم.([7]) وإذا كانت هذه الصواريخ غير مجدية من أجل على تعطيل حركة الملاحة في الخليج، فإن مداها يمكّنها من إلحاق أضرار جسيمة بالمنشآت النفطية الحيوية في دول الخليج. ولعل إيران لن تكون هي المبادرة إلى إطلاق الصواريخ على منطقة المضائق، لكنها تهدد بالرد على أي إجراء أميركي ضد النشاط الإيراني في المضائق بإجراء مضاد يشمل إلحاق أضرار جسيمة بالبنى التحتية النفطية لدول الخليج. وبسبب تقادم أسطول إيران الجوي وصعوبة حصوله على قطع غيار أصلية من الدول الغربية، فضّلت إيران التركيز على تدعيم تدريجي ومنهجي لترسانتها من الصواريخ البالستية. وفي الوقت ذاته، تعمل إيران على زيادة مدى صواريخها، ودقتها، وقوتها التدميرية، وتعمل على تقصير "وقت التعرض" (باستخدام الوقود الصلب). من هنا، تزداد مخاوف دول الخليج من أن تصبح منشآتها الاستراتيجية، في حال اندلاع نزاع مسلح مع إيران، عرضة لإطلاق عدد كبير من الصواريخ عليها، وأن يستمر ذلك لمدة زمنية أطول.([8]) ولقد لوّح الأميرال علي شمخاني، وزير الدفاع الإيراني سابقاً والمستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي في تصريح نادر له، بـ "إمطار دول الخليج العربي بوابل من الصواريخ" في حال التعرض لمنشآتها النووية، موضحاً أن "الصواريخ لن تستهدف القواعد الأميركية في المنطقة فحسب، بل ستضرب أهدافاً استراتيجية مثل مصافي النفط ومحطات توليد الطاقة الكهربائية... بهدف شلّ النظام الدفاعي الأميركي عبر إطلاق متزامن لعشرات، وربما لمئات الصواريخ على أهداف مختارة."([9]) وتشكّل مهاجمة إيران لمنشآت في دول الخليج، سواء القواعد الأميركية فيها أو منشآت النفط الرئيسية، التهديد الأول والأخطر بالنسبة إلى أنظمة دول الخليج. وفي هذا الشأن، تكلم مسؤول سعودي نيابة عن الملك [عبد الله بن عبد العزيز] فقال "إننا قلقون من أن تُطلق صواريخ إيرانية ضد المنشآت النفطية السعودية أكثر من قلقنا من التعرض لهجوم إرهابي... لأنه في إمكاننا اتخاذ تدابير احترازية ضد الإرهاب، لكن ليس في إمكاننا أن نفعل ذلك ضد الصواريخ الإيرانية."([10]) ونظراً إلى الصعوبة التي ستلاقيها إيران في إغلاق المضائق بصورة محكمة، ولأنه من شبه المؤكد أن محاولة كهذه ستؤدي إلى مواجهة مع الأسطول الأميركي الذي يتفوق على الأسطول الإيراني، تخشى الدول الخليجية من أن تركّز إيران قوتها على مهاجمة منشآت هذه الدول بالصواريخ.
وبناء على تقدير إيران لمصالحها وقدراتها، يمكن الافتراض أنها ستدرس [ثلاثة] خيارات لاستهداف إمّا دول الخليج، وإمّا الأسطول الأميركي، وإمّا حركة النقل البحري في الخليج، طبقاً لثلاث فئات من الاعتبارات الاستراتيجية:
1- تحرش منهجي ذو وتيرة منخفضة يستمر لفترة طويلة، وذلك سعياً لتقليل المخاطر وعدم إلحاق الضرر بصادرات الخام الإيراني. ومن هنا، وما دام ذلك ممكناً، ستعتمد إيران أسلوب التحرش المنهجي والمنخفض الوتيرة بالسفن الدولية، بحيث يبقى الممر البحري في الخليج مفتوحاً أمام حركة صادراتها النفطية، وتتملّص هي من المسؤولية عن الحوادث التي قد تقع. وفي هذا السياق، قد تلجأ إيران إلى استخدام قوارب "مدنية" جرى تعديلها، أو إلى الإرهاب بواسطة أتباعها، أو تبتعد عن مياهها الإقليمية لإبعاد الشبهة عنها. وهكذا، تقلص من إمكان المواجهة الشاملة مع الأسطول الأميركي من جهة، وتحمّل أسواق الطاقة العالمية كلفة باهظة من جهة أخرى، ولو بسبب ارتفاع تكاليف التأمين. ومن شأن هذا الأسلوب أن يخلق مناخاً من الأزمة، وأن يكون تأثيره سلبياً في الأسواق. وبحسب اعتقادنا، سيصعب على إيران الاستمرار في الإنكار لفترة طويلة، وعلى وجه الخصوص بسبب الحساسية البالغة تجاه الأوضاع في المضائق، وازدياد حدة الحملة الدولية ضد برنامجها النووي. وبالإضافة إلى ذلك، حتى في السيناريو "المتفائل" - إغلاق جزئي للمضائق، ولو لفترة وجيزة، وتحرك دولي فاعل وسريع لفتحها – فإن تأثير معركة محدودة كهذه على أسواق الطاقة العالمية ستكون له تداعيات تفوق الآثار المباشرة للأحداث نفسها، بسبب تعطيل حركة إمدادات النفط من الخليج لفترة طويلة.
2- محاولة "صاخبة" لإغلاق المضائق، انطلاقاً من منطق أن قوة إقليمية يمكن أن تنفّذ تهديداتها بالفعل، وأن تشهر "قبضة حديدية" في وجه أعدائها،([11]) ردّاً على مهاجمة منشآتها النووية ومرافقها الاستراتيجية الأخرى، أو في حال تشديد العقوبات عليها وحشرها في الزاوية، فإن إيران قد تلجأ إلى زرع الألغام في ممرات الملاحة الرئيسية، وإلى مهاجمة ناقلات النفط وسفن الشحن العابرة من وإلى الخليج بصواريخ بر - بحر. لكن، وبسبب الضعف الأساسي لسلاح الجو الإيراني، والقدرة الأميركية العالية على إسكات بطاريات الصواريخ برّ - بحر، وقدرتها على فتح ممر عبر حقول الألغام الإيرانية بسرعة نسبية، تستطيع الولايات المتحدة إعادة فتح المضيق بتكلفة "معقولة". وبحسب التقديرات "المتفائلة"، يستطيع الأسطول الخامس الأميركي إعادة فتح المضيق خلال أسبوعين، لكن ثمة تقديرات تتسم بمسحة من التشاؤم، إذ تستبعد إعادة فتح المضائق قبل مضيّ شهرين.([12])
3- توسيع المواجهة إلى خارج الممرات المائية، ومنطقها توسيع المواجهة بحيث تصل إلى الخاصرة الضعيفة للعدو رداً على مهاجمة [الغرب] لإيران. وبسبب مركزية المضائق، يصعب وضع حدود لنطاق المواجهة حول الممرات المائية، والتحكم بمكانها وزمانها. فعلى سبيل المثال، قد تحاول الولايات المتحدة "معاقبة" إيران بتوسيع المواجهة بحيث تشمل عمق الأراضي الإيرانية، في حين قد تختار إيران إطلاق صواريخ أرض - أرض أو تنفيذ عمليات إرهابية، مستهدفة المحطات الطرفية ومصافي النفط في الخليج:
• إطلاق صواريخ أرض - أرض: بحسب تقديرنا، لن تنجح محاولة إغلاق مضيق هرمز إلاّ جزئياً. ولذا ينبغي درس احتمال إطلاق [إيران] صواريخ أرض-أرض ضد المنشآت النفطية على الساحل الغربي للخليج. ولقد هدد مسؤولون إيرانيون كبار في الأعوام الأخيرة بإمطار هذه المنشآت بوابل من الصواريخ (انظر أعلاه). ونعتقد أن للهجوم الصاروخي أرض-أرض على منشآت النفط في دول الخليج، وإلحاق أضرار بها، تداعيات خطيرة على أسواق الطاقة العالمية - أشد وطأة من نجاح [إيران] في إغلاق المضيق- لأنه يعطل عملية إنتاج النفط بحد ذاتها لفترة طويلة. وحتى الآن تُعنى معظم دراسات مدى تأثير المواجهة مع إيران في أسواق الطاقة العالمية بتحليل مفاعيل تعطيل [إيران] لحركة الملاحة في المضائق، وقلما يحظى احتمال أن تختار إيران مهاجمة منشآت النفط بصواريخ أرض-أرض بالاهتمام الذي يستقطبه الخيار الأول.([13])
تعاملت دول الخليج بجدية مع التهديدات الإيرانية لمنشآتها النفطية الاستراتيجية، وبذلت جهداً في الأعوام الأخيرة لتعزيز قدرة دفاعاتها على اعتراض الضربات الصاروخية من خلال التزود بمنظومات باتريوت PAC-3 (كما تعتزم شراء منظومات Aegis BMD Systems وTHAAD)، مع أن بعضها لم يدخل الخدمة العملانية حتى الآن. وبما أن العربية السعودية تملك أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام، وهي أكبر منتج ومصدِّر للنفط في العالم، فمن المرجح أن تشكل الهدف المركزي لهجمات إيران. فأي هجوم ناجح على منشآت النفط الرئيسية في المملكة، مثل رأس تنورة وبقيق (المنشأة التي تمتد على مساحة ثلاثة كلم٢ والتي تكرر ثلثي النفط السعودي)، اللتين تبعدان مسافة 300 كلم عن الساحل الإيراني، سيكون مدمراً لأسواق الطاقة العالمية.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى نتائج أول دراسة من نوعها، متوافرة ومنشورة في سنة 2011، والتي تؤكد محدودية هذه القدرات الإيرانية بالذات، وأن التهديد الصاروخي الإيراني للبنى التحتية في الخليج يتم تصويره بشكل مضخّم.([14]) بالإضافة إلى ذلك، يجوز الافتراض أن إيران ستحاول تفادي رد عقابي أميركي مدمر، وأنها ستتردد في توسيع المواجهة لتشمل الاعتداء على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. من هنا، فإن التهديدات التي تطلقها إيران لغايات الردع هي ليست كالحسابات الفعلية "للتكلفة في مقابل الجدوى" التي سيجريها حكام إيران عندما يحين أوان تنفيذ هذه التهديدات رداً على تعرّضها لضربة عسكرية. لكن هذا لا يعني أن إيران لن تنفّذ هجمات موضعية، جواً وبحراً وبراً على بعض المنشآت الحيوية. وأبعد من ذلك، فإن المعطيات الخاصة بترسانة إيران من الصواريخ، ومداها ودقتها، المذكورة أعلاه، يعوزها التحديث، لأنها على الأرجح مقدّرة بأقل من حجمها الفعلي. أخيراً، من شأن الاعتداء على منشأة نفطية رئيسية في العربية السعودية أن يحدث ذعراً في أسواق النفط وارتفاعاً في الأسعار، بغض النظر عن الضرر الفعلي الذي يلحقه بالمنشأة.
• تخريب وإرهاب: شهد العقد الأخير اعتداءات على منشآت وناقلات نفط في مضائق هرمز، أو بالقرب منها. ففي سنة 2002، تعرّضت ناقلة النفط الفرنسية "ليمبرغ"، لهجوم خارج المضيق، من زورق سباق محمّل بالمتفجرات. وأدى هذا الاعتداء، المنسوب إلى تنظيم القاعدة، إلى مقتل شخص وتسرّب 90,000 برميل من النفط في البحر. وفشلت محاولة مماثلة لإغراق الناقلة اليابانية "إم ستار" في المضائق في سنة 2010، من قبل كتائب عبد الله عزّام المرتبطة بتنظيم القاعدة. وقد تلجأ إيران إلى هذا النمط من العمليات. وبحسب المصادر البريطانية، سُجلت في نيسان/أبريل 2011، محاولة قارب محمّل بالمتفجرات، إيراني على ما يبدو، الاصطدام بسفينة بريطانية راسية في البحرين، على غرار الاعتداء على المدمرة الأميركية كول في مرفأ عدن في اليمن سنة 2000.([15]) وتُظهر نتائج هذه الاعتداءات صعوبةَ إغراق ناقلات النفط جراء حجمها وهيكلها الداخلي وخصائص احتراق النفط، كما تُثبت أن مقاومتها لصواريخ ساحل - بحر وللألغام هي أكثر من مقاومة السفن الحربية.([16]) وفضلاً عن استهداف الناقلات، قد تهاجم إيران المنشآت النفطية على الساحل الغربي للخليج، وعلى رأسها منشآت المنطقة الشرقية للسعودية، حيث أنها تتمتع إلى حد ما بتأييد السكان الشيعة الذين يشكلون الأغلبية في المنطقة. ولقد خصصت العربية السعودية في الأعوام الأخيرة موارد ملحوظة لتشكّل، بمساعدة الولايات المتحدة، قوة ضاربة (قوامها 30 ألف جندي) مهمتها الدفاع عن المنشآت الاستراتيجية للمملكة، وعلى رأسها المنشآت النفطية. ويعدّ تشكيل هذه القوة الضاربة أحد الدروس المستخلصة من اعتداء القاعدة الفاشل على منشأة بقيق في سنة 2006. وتجدر الإشارة إلى تزايد الأحداث العنيفة وسط السكان الشيعة في المناطق النفطية في أواخر سنة 2011، ويبدو أن عنفها آخذ بالتصاعد المرة تلو الأخرى، مع ما لهذا الأمر من تداعيات على أمن وسلامة منشآت النفط في المنطقة.
بحسب تقديرنا، تستطيع إيران تعطيل إمدادات النفط من الخليج بواسطة إعاقة حركة الملاحة الدولية في المضائق، لكن لفترة زمنية وجيزة فقط، ولو بسبب الالتزام الأميركي الثابت بالمحافظة على حرية تدفق النفط من الخليج. ولقد ردت الولايات المتحدة على التهديدات الصريحة التي أطلقها كبار القادة الإيرانيين بإغلاق المضائق، بقولها: "إنها لن تسكت عن تعطيل حرية حركة الملاحة البحرية، وإن البحرية الأميركية ستتصدى لكل محاولة شريرة كهذه."([17]) وذكرت مصادر مطلعة في كانون الثاني/ يناير 2012 أن إدارة أوباما وجهت رسالة مباشرة بهذا المعنى إلى مرشد إيران علي خامنئي، جاء فيها أن تعطيل الممرات المائية الدولية هو "خط أحمر لا ينبغي تجاوزه"، وأن الولايات المتحدة لن تسكت عنه.([18]) وفعلاً، وعلى الرغم من التهديدات الإيرانية، استمرت السفن الحربية الأميركية والبريطانية والفرنسية في الإبحار من وإلى الخليج عبر مضائق هرمز.([19])
في أواخر الحرب الإيرانية - العراقية، وخلال الفترة المسماة "حرب الناقلات"، وفي أعقاب اعتداء إيران على سفن الملاحة، سيّرت الولايات المتحدة مواكبة لناقلات النفط الكويتية من وإلى الخليج لحمايتها من أي هجوم (عملية Earnest Will). وفي مناسبة أخرى، وفي عقب اصطدام فرقاطة أميركية بلغم بحري إيراني، دمّر الأميركيون القسم الأعظم من القوة البحرية الإيرانية العاملة في الخليج (عملية Praying Mantis). ورد مؤخراً وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، على التهديدات الإيرانية، مشدداً على خطورة [إغلاق الممرات المائية]، وأيضاً خطورة تطوير سلاح نووي، فقال إن "الولايات المتحدة لن تسكت عن إغلاق المضائق... هذا خط أحمر بالنسبة إلينا (بالإضافة إلى البرنامج النووي)... وسنرد عليه."([20]) واعترف الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية، بقدرة إيران على "إغلاق المضائق لفترة وجيزة"، لكنه أكد أن الولايات المتحدة ستعيد فتحها، قائلاً "استثمرنا في وسائل تكفل لنا الغلبة في مثل هذه الحالة."([21])
من هنا، تحتفظ الولايات المتحدة بوجود بحري وجوي ملحوظ في الخليج، ولديها قواعد عسكرية في معظم دول الخليج العربية، وعلى رأسها القيادة الإقليمية لقيادة المنطقة الوسطى في قطر، وقيادة الأسطول الخامس في البحرين. ولدى المجتمع الدولي اليوم أدوات أخرى، من بينها الوجود العسكري المتعدد الجنسيات بالقرب من المضائق.([22]) وأنشأت فرنسا قاعدة عسكرية بحرية وجوية في الإمارات العربية المتحدة، وهناك "فرق مهمات" دولية عاملة في البحرين تناط بها المحافظة على حرية الملاحة في المنطقة. وأفادت تقارير في مطلع سنة 2012 بأن الأميركيين، وفي أعقاب تصاعد التوتر مع إيران، زادوا نظام القوات الدائمة المتمركزة في الخليج "بهدف التصدي بشكل أفضل لكل التطورات المحتملة مع إيران."([23]) ومع ذلك، علينا أن ندرس ما هي الانعكاسات على صادرات النفط من الخليج، فيما لو أقدمت إيران على تنفيذ تهديداتها بتعطيل حركة االملاحة في الممرات المائية على نحو ما عرضناه أعلاه. إن إغلاق المضائق سيُلحق الضرر بمعظم صادرات النفط من الخليج، وعلى رأسها صادرات العربية السعودية. ونذكر، على سبيل المقارنة، أن بداية الحرب على العراق (آذار/مارس- كانون الأول/ديسمبر 2003) أدت إلى انخفاض صادرات النفط بمقدار 2,3 مليون برميل من النفط في اليوم، وأن احتلال العراق للكويت (آب/أغسطس 1990- كانون الثاني/يناير 1991) أدى إلى انخفاض كميات النفط المعروضة في الأسواق بمقدار 4,3 مليون برميل في اليوم.([24]) وينطوي تعطيل حركة الملاحة في الممرات المائية على تداعيات اقتصادية وسياسية، على إيران نفسها، بسبب اعتماد النظام شبه المطلق على صادرات النفط الخام (تقدّر عائدات تصدير النفط الخام بنحو 100 مليار دولار في سنة 2012). وخلافاً لدول الخليج العربية والعراق، تصدّر إيران معظم خامها عبر المضائق: نحو 90٪ من واردات إيران ونحو 99٪ من صادراتها تُشحن بحراً – ومعظمها عبر مضائق هرمز.([25]) وتنتج إيران نحو 3,5 مليون برميل من النفط في اليوم، وتصدّر قرابة مليوني برميل من النفط في اليوم (ويُعتقد أنه بسبب تقادم حقول النفط الحالية، والعقوبات [التي تمنع تطوير حقول جديدة]، تخسر إيران إنتاج 300 ألف برميل من النفط يومياً). ومن شأن توقف الصادرات النفطية الإيرانية أن يخلق زيادة فورية في الطلب عليه، لكن "سلاح النفط" الرئيسي لإيران لا يكمن في سحب صادراتها من الأسواق، وإنما في قدرتها على إلحاق الأذى بصادرات دول الخليج الأخرى.([26])
تقليص الضرر الإيراني على أسواق النفط العالمية
إذا قررت إيران رغم ذلك إغلاق المضائق (انظر الخيارين أ و ب أعلاه)، فلدى الولايات المتحدة وحلفائها أدوات أفضل من الماضي لتقليل أضرار تعطيل حركة إمدادات النفط، وهي:
1- استعمال المخزونات الاستراتيجية: معظم الاحتياطي العالمي مخزّن حالياً في الولايات المتحدة والصين، وهو يكفي بحسب التقديرات لنحو 45 إلى 90 يوماً (1,5 مليار برميل). ويمكن سحب كميات من هذا المخزون وطرحها في أسواق النفط العالمية لزيادة العرض وكبح ارتفاع الأسعار. ومن شأن استخدام هذا المخزون أن يمنع تعطيل الحركة الاقتصادية العالمية الجارية بفعل الصدمة النفطية.([27]) ومع أن تحرير مخزون النفط هو خطوة استثنائية (استُخدم المخزون النفطي إبان اجتياح العراق للكويت سنة 1991، وبعد الأضرار التي خلّفها إعصار "كاترين" في سنة 2005)، فقد أعلنت وكالة الطاقة الدولية في 23/6/2011 عن سحب 60 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي اعتباراً من شهر تموز/يوليو (نحو مليوني برميل في اليوم). وهذا ما أدى إلى خفض فوري في أسعار النفط، لكن سرعان ما عادت تلك الأسعار خلال عدة أيام إلى الارتفاع مجدداً. وعُزيت هذه الخطوة إلى توقف إنتاج النفط في ليبيا، وإلى الأزمة الاقتصادية العالمية. وهناك تدبير جُرّب بنجاح في مطلع تسعينيات القرن الماضي، إبان اجتياح الكويت، ألا وهو تخزين النفط (غير المباع) في ناقلات بالقرب من الأسواق. ومن هنا، يمكن لمخزونات دول وكالة الطاقة الدولية كافة إذا جرى تحريرها بوتيرة سريعة، في أقصى تدفّقها، أن تعوّض نقصان 14 مليون برميل في اليوم لفترة شهر (من أصل 17 مليون برميل في اليوم مشحونة بحراً عبر المضائق).([28])
2 - استخدام خطوط إمداد بديلة: يوجد في السعودية خط أنابيب ممتد من الشرق إلى الغرب بطول 1400 كيلومتر، من بقيق في شرق المملكة إلى مدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر، بطاقة استيعابية تبلغ 5 مليون برميل في اليوم (يَستخدم هذا الخط نصف طاقته الاستيعابية لأن معظم النفط السعودي يُصدَّر إلى دول الشرق الأقصى). لكن، في حال أمكن زيادة طاقته الاستيعابية، وإذا ما حُرّر المخزون الاستراتيجي، فإن هذين الأمرين يكفيان لتعويض خسارة نفط الخليج لفترة 90 يوماً. وبموازاة خط الأنابيب المذكور، هناك خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي (بطاقة استيعابية تبلغ 0,5 مليون متر مكعب في اليوم). وهناك خطوط أنابيب أخرى ممتدة في الأراضي السعودية، مثل خط البصرة - الرياض وصولاً إلى البحر الأحمر (IPSA)، الذي استُخدم لتصدير النفط العراقي إبان الحرب الإيرانية - العراقية. ومن شأن إعادة تفعيل قسم من هذا الخط (الذي ينقل حالياً الغاز الطبيعي) داخل الأراضي السعودية، أن تسمح على المدى البعيد، بتدفق نفط الكويت (وهي الدولة الوحيدة التي تصدّر كميات كبيرة من النفط والتي ليس لها ميناء خارج المضائق). وهناك خط أنابيب التابلاين الممتد من الظهران إلى مدينة صيدا اللبنانية، عبر الأراضي الأردنية، والذي توقف العمل به في أعقاب دعم الأردن لصدام حسين في حرب الخليج الأولى. وتبلغ الطاقة الاستيعابية الإجمالية لهذين الخطين قرابة 2,15 مليون برميل من النفط في اليوم. بالإضافة إلى ذلك، ينتج العراق نحو 2,5 مليون برميل من النفط في اليوم، ويمكن نقل قسم من هذه الكميات عبر خطوط الأنابيب الممتدة من العراق إلى كل من تركيا وسورية (لأن نصف كميات النفط المستخرج في العراق فقط تُنقل عبر الممرات المائية، لكن هذه الخطوط كانت معرّضة لأعمال التخريب والإرهاب في الأعوام الأخيرة). أخيراً، لقد استُكمل، في أواخر سنة 2011، مد خط أنابيب يلتف على المضائق، ويعبر أراضي الإمارات العربية المتحدة، من أبو ظبي إلى الفجيرة. وكان من المفترض أن يبدأ خط الأنابيب هذا بنقل النفط في كانون الثاني/يناير 2012، لكن، وبسبب التأخير في إنجازه، أُرجىء العمل به إلى منتصف سنة 2012.([29]) ويستطيع هذا الخط، الذي بلغت تكاليف إنشائه نحو 3,3 مليار دولار، أن ينقل 2,5 مليون برميل من النفط في اليوم، أي ما يناهز الطاقة الإنتاجية الإجمالية للإمارات العربية المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك خط أنابيب "دولفين" الذي ينقل الغاز الطبيعي من قطر إلى كل من الإمارات العربية المتحدة وعُمان، اعتباراً من سنة 2007، بناتج [عائد من الغاز] منخفض، وبغرض الاستهلاك الداخلي. وتُعزى ضآلة الناتج، بين أمور عدة، إلى الخلافات فيما بين دول الخليج. ويمكن تعزيز الطاقة الإنتاجية لهذا الخط، الذي "يلتف على مضائق هرمز"، عبر استخدام وسائل مختلفة، ومن ضمنها مواد كيميائية. وعلى سبيل المثال، من شأن استخدام "مواد مضافة" في خط الأنابيب "الممتد من الشرق إلى الغرب" [في السعودية] أن يرفع الطاقة الاستيعابية بنحو 65٪، إلى نحو 8 مليون برميل نفط في اليوم (هذا يسمح بتجنب استخدام المضائق، لكنه يزيد تكلفة نقل النفط لأنه يصدَّر بمعظمه إلى الأسواق الآسيوية).([30]) وعلى المدى البعيد، يمكن ربط شبكتَي أنابيب السعودية وعُمان، وبالتالي تفادي المرور عبر المضائق. لكن، في هذه المرحلة، ما زالت الطاقة الاستيعابية الكامنة غير متحققة بسبب خلافات بشأن ترسيم الحدود، وعدم رغبة أية دولة في عبور مصدر مدخولها الوحيد إلى أراضي دول مجاورة. لكن، في وقت الأزمات مستقبلاً، وفي غياب بديل النقل البحري، قد يطرأ تغيير على شبكة خطوط الأنابيب.
3- استغلال فائض الطاقة الإنتاجية للعربية السعودية: إن السعودية هي الدولة الوحيدة التي لديها طاقة إنتاجية فائضة (swing capacity) ملحوظة. وتشير المصادر السعودية إلى أن فائض الطاقة الإنتاجية قد يصل إلى 4 مليون برميل من النفط في اليوم، أي أكثر من مجمل الإنتاج الإيراني.([31]) لكن هناك تقديرات تزعم أن الطاقة الإنتاجية للسعودية لا تزيد على 12,5 مليون برميل من النفط في اليوم. وعليه، وبناء على حقيقة أن السعودية كانت تنتج في كانون الثاني/يناير 2012 نحو 10 مليون برميل من النفط في اليوم، يكون هامش الفائض في الطاقة الإنتاجية حالياً هو 2,5 مليون برميل من النفط في اليوم، وهذه الكمية هي أكبر من مجمل صادرات الخام الإيراني.([32]) ولقد عمدت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي إلى زيادة إنتاجها من النفط لكبح ارتفاع الأسعار، وذلك في خطوة أحادية الجانب بسبب رفض كل من إيران والعراق وفنزويلا زيادة حصص الإنتاج لأوبك. وبالتالي، يمكن نقل فائض الإنتاج السعودي الحالي، أي نحو 2,5 مليون برميل من النفط في اليوم، عبر خطوط الأنابيب الحالية. وعلاوة على ذلك، ذكرت مصادر مطلعة أن السعودية وافقت على زيادة وتيرة إنتاجها للتعويض عن الكميات المطلوبة في حال سحب النفط الإيراني من الأسواق بفعل العقوبات على إيران، أو بفعل إجراءات عقابية تلجأ إليها إيران نفسها.([33])
خاتمة
بحسب تقديرنا، ستتفادى إيران المواجهة الشاملة في الخليج، لأن تكاليفها العسكرية والسياسية والاقتصادية ستكون باهظة، لكنها ستواصل توظيف التهديد بإغلاق المضائق، بما يحقق هدف الردع الاستراتيجي، من خلال استغلال الأوضاع الجغرافية الفريدة [لإطلالتها على] الممرات المائية، والحساسية الدولية تجاه أي هزّة تصيب أسواق الطاقة العالمية. وللدلالة على ذلك، نذكّر بأن هذه المضائق ظلت مفتوحة في ذروة "حرب الناقلات" (1984-1987)، أضف إلى ذلك أن إغلاق الممرات المائية مخالف لقانون [البحار] الدولي [الذي يضمن حرية الملاحة]، وقد يبرر إعلان الحرب على إيران.([34]) وإن كان النقاش بشأن هذا الموضوع مبنياً في الأعوام الأخيرة على فرضية أن إيران عازمة على إغلاق المضائق، فإن مؤلفي هذه الدراسة يرفضان اعتبار هذه الفرضية أمراً بديهياً، لأن هذا الإغلاق لا يخدم مصالحها الحيوية. كما أن قدرة إيران على إغلاق المضائق بفاعلية ولفترة زمنية طويلة أمر غير بديهي، لأن كل عمل من هذا القبيل سيستدعي رد الولايات المتحدة الأميركية التي ستعمل على إعادة فتح ممرات الملاحة الدولية أمام ناقلات النفط. وفي الواقع، من شأن أهمية المضائق وهشاشتها النسبية، وحساسية الاقتصاد العالمي إزاء زعزعة أسواق الطاقة (ولا سيما إبان فصل الشتاء في دول الشمال)، تضخيم كل حادثة. بيد أن أسواق النفط العالمية لا تتأثر بالعوامل النفسية فقط، بل هي خاضعة أساساً، وعلى المدى البعيد، لشروط العرض والطلب. من هنا، فإن استغلال فائض الإنتاج السعودي، واستخدام خطوط الأنابيب البديلة، وتحرير المخزونات الاستراتيجية، من شأنه أن يتيح منذ اليوم، تخفيف مفاعيل إغلاق المضائق، في حال حدوثه.
وعلى الرغم من الغموض الذي يحيط بتوقعات نشوب حرب، يجوز القول إن قدرة الولايات المتحدة العسكرية تمكّنها من إعادة فتح المضائق بتكلفة "معقولة". فضلاً عن ذلك، يسمح استخدام خطوط الأنابيب الممتدة على اليابسة بالتعويض عن تعطيل حركة إمدادات النفط الخليجي عبر الممرات المائية. ويمكن زيادة الطاقة الاستيعابية لهذه الأنابيب من خلال استخدام "مواد مضافة تحسّن التدفق"، ومن خلال إعادة تفعيل الشبكات القائمة. وإذا ما أضفنا إلى هذه الزيادة كميات النفط المستخرجة من المخزون الاستراتيجي، سيصبح ممكناً تعويض كميات النفط المنقول في الأيام العادية عبر مضائق هرمز. لكن فاعلية هذه الخطوات تدوم لفترة 45 إلى 90 يوماً فقط، ومن الطبيعي أن تهبط هذه الفاعلية كلما طالت الأزمة. وهناك احتمال أقل ترجيحاً، وهو أن تختار إيران، بالإضافة إلى إغلاق المضائق، مهاجمة المنشآت النفطية لدول الخليج بصواريخ أرض - أرض، أو بواسطة خلايا إرهابية، وفي هذه الحالة، تغدو المفاعيل السلبية للأزمة على قدرة تصدير النفط من الخليج، أخطر بكثير. لكن من المرجح أن تمتنع إيران، بسبب تكلفة هذا الخيار، من تنفيذ تهديداتها، إلاّ في حالة الرد على عمل عسكري ضدها. وتجدر الإشارة إلى أن التهديدات الإيرانية ترافقت في العام الأخير مع تصعيد الأعمال الاستفزازية ضد سفن الأسطول الخامس الأميركي والأسطول البريطاني المتمركزين في مياه الخليج.([35]) وحتى الآن، قوبلت جميع محاولات الولايات المتحدة لإقامة "خط ساخن" بين الأسطولين [الأميركي والإيراني] بالرفض، الأمر الذي يزيد المخاوف من تصاعد غير مقصود للتوتر بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الممرات المائية، ومن المحتمل أن كل حادث تكتيكي إلى حادث له تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي وعلى استقرار المنطقة.
وتوجد اليوم في يد المجتمع الدولي أدوات أكثر ملاءمة لمواجهة إغلاق محتمل للمضائق. مع ذلك، من المهم مواصلة تطوير قدرة التعامل مع الانعكاسات المحتملة لحادث يقع في مياه المضائق، وذلك من خلال الخطوات التي عرضناها أعلاه. ففي المدى القصير، ينبغي زيادة الطاقة الاستيعابية لخطوط الأنابيب القائمة، وإعادة تفعيل خطوط الأنابيب الأخرى. وعلى المديين المتوسط والبعيد، ينبغي مدّ خطوط أنابيب بديلة تلتف على مضائق هرمز وفق النموذج المعتمد هذه الأيام في الإمارات العربية المتحدة. ويبدو أن التهديدات والمناورات الإيرانية المتكررة بالقرب من المضائق قد أيقظت لدى قادة دول الخليج إحساساً بخطورة الحالة الراهنة في هذا الشأن.([36]) كذلك يجب أن تؤدي الصين - الدولة التي ستتأثر أكثر من سائر الدول الأخرى بتعطيل إمدادات النفط عبر المضائق - دوراً أكبر في ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية، وأن تنبّه إيران إلى الثمن الباهظ التي ستدفعه إن هي لجأت إلى خطوات قصوى. وبسبب الصعوبة التي تعاني منها دول الخليج وحدها في التصدي لقدرات إيران اللامتكافئة، ونظراً إلى الشكوك التي تساور هذه الدول بين الفينة والأخرى إزاء استعداد الولايات المتحدة لنجدتها، فإن المطلوب اليوم رد أميركي أقوى ومدعوم دولياً يتضمن حضوراً عسكرياً مستمراً، وخياراً عسكرياً ذي صدقية في مواجهة التهديد الإيراني.
* (الجنرال احتياط) عاموس يادلين هو رئيس معهد دراسات الأمن القومي، ويوئيل غوزانسكي هو باحث كبير في المعهد.
** المصدر: "عدكان استراتيجي"، المجلد 14، العدد 4، كانون الثاني/يناير 2012، ص7-20، معهد دراسات الأمن القومي-جامعة تل أبيب: http://www.inss.org.il
ترجمته عن العبرية: يولا البطل.
([1]) انظر: “Foreign Warships Will Need Iran’s Permission to Pass through the Strait of Hormuz”, Fars News Agency, January 4, 2012.
([2]) انظر: Najmeh Bozorgmehr and Javier Blas, “Oil Price Climbs Amid Iranian Threat”, Financial Times, December 27, 2011.
([3]) انظر: Energy Information Administration, “World Oil Transit Chokepoints”, US Department of Energy, December 30, 2011.
([4]) انظر على سبيل المثال: BBC Discussion with Georges Galloway and Mehrad Khonsari, January 7, 2012.
([5]) يوئيل غوجنسكي وغالية لندنشتراوس ويونتان شختر، "عنق الزجاجة البحري يسد مضائق الشرق الأوسط"، عدكان استراتيجي، المجلد 14، العدد 2 (تموز 2011)، ص. 73.
([6]) Jay Salomon, Iran Rejects Proposed U.S. Military Hotline”, The Wall Street Journal, October 4, 2011.
([7]) Defense Intelligence Agency, “Unclassified Report to Congress on the Military Power of Iran”, April 2010.
([8]) “Iran’s Ballistic Missile Capabilities: A Net Assessment”, International Institute for Strategic Studies (IISS), May 2010.
([9]) يوسي مِلامِن، "مسؤول إيراني كبير: سنمطر دول الخليج بوابل من الصواريخ إذا تعرّضنا لهجوم"، "هآرتس"، 11/6/2011.
Joshua R. Itzkowitz Shifrinson and Miranda Priebe, “A Crude Threat: the Limits of an ([10]) Iranian Missile Campaign against Saudi Arabian Oil”, International Security, vol. 36, no. 1 (summer 2011), p. 168 .
David Sanger and Annie Lowrey, “Iran Threatens to Block Shipments, as U.S. ([11]) Prepares Sanctions”, The New York Times, December 27, 2011.
Citlin Talmadge, “Closing Time: Assessing the Iranian Threat to the Strait of Hormuz”, ([12]) International Security, vol. 33, no. 1 (Summer 2008).
([13]) Shifrinson and Priebe, op. cit. p. 169.
([14]) ibid. p. 170.
([15]) Drama off Bahrain”, Gulf Daily News, August 20, 2011"
([16]) Talmadge, op. cit. pp. 84-85.
([17]) U.S. Navy: Hormuz Disruption won’t be tolerated”, CBS News, December 28, 2011. "
([18]) U.S. warns Iran through secret channel”, The Jerusalem Post, January 13, 2012."
([19]) “U.S. carrier in Gulf after passing the Strait of Hormuz”, AFP, January 23, 2012.
([20]) Jim Mannion, “Panetta: U.S. will respond if Iran blocks the strait”, AFP, January 9, 2012.
([21]) "الولايات المتحدة الأميركية: نستطيع القضاء على البرنامج النووي الإيراني"، "معاريف"، 8/1/2012.
([22]) انظر على سبيل المثال: "بريطانيا ترسل مدمرتها الأقوى إلى الخليج"، "هآرتس"، 7/1/2012.
([23]) David Cloud, “U.S. Boosts its military presence in Persian Gulf”, The Los Angeles Times, January 12, 2012.
([24]) Simon Henderson, “Energy in Danger: Iran Oil and the West”, Policy Focus 83, June 2008, The Washington Institute for Near East Policy.
([25]) “Iran’s Naval Force: from Guerilla Warfare to a Modern Naval Strategy”, Office of Naval Intelligence, fall 2009, U.S. Navy.
([26]) وأيضاً منشآت إيران النفطية عرضة للتدمير، لكن هذا مناف لمصلحة المجتمع الدولي الذي يسعى لكبح ارتفاعات أسعار النفط. القسم الأكبر من صادرات الخام الإيراني تمر عبر جزيرة خرج، على مسافة 25 كلم من الساحل الإيراني، وعلى بعد 483 كلم من شمال غرب المضائق، في محافظة بوشهر (الجزيرة تحتوي على منشأة تبلغ طاقتها التخزينية نحو 20 مليون برميل من الخام). وهناك خزانات ثانوية من حيث الأهمية في جزيرة لافان، في الخليج أيضاً. وهناك خزانات أخرى في جزيرة كيش وفي عبدان. وتستورد إيران كميات كبيرة من البنزين للاستهلاك المحلي، وينقل قسم كبير منها عبر بحر قزوين بموجب اتفاقيات مقايضة بين البنزين المستورد والخام المصدَّر عير موانئ الخليج.
([27]) نيتسان فيلدمان، "ما هي القوة الفعلية لسلاح النفط الإيراني؟"، عدكان استراتيجي، المجلد 10، العدد 2 (آب/أغسطس 2007).
([28]) “West plans to tap oil reserves if Iran blocks strait of Hormuz”, Reuters, January 7, 2012.
([29]) Bruce Stanley, Ayasha Daya and Anthony DiPaola, “Hormuz Bypass Oil Pipeline Is Delayed”, Bloomberg, January 9, 2012.
([30]) Henderson, op. cit. p. 16.
([31]) ازداد الاستهلاك المحلي من النفط والغاز الطبيعي في السعودية بمعدل سنوي متوسط يبلغ 7٪، وهذه الوتيرة من الزيادة في الاستهلاك تهدد قدرة المملكة على أن تبقى منظّماً للإنتاج (تستهلك المملكة اليوم نحو 2,8 مليون برميل من النفط في اليوم، أي نحو ربع إنتاجها: وبهذه الوتيرة من الزيادة، لن تستطيع في سنة 2038 أن تصدّر النفط على الإطلاق).
([32]) Glada Lahn and Paul Stevens, “Burning Oil to Keep Cool: The Hidden Energy Crisis in Saudi Arabia”, Chatham House, December 2011.
([33]) Keith Bradsher and Clifford Krauss, “Pressed by U.S., Asian Countries Look for Ways to Reduce Purchases of Iranian Oil”, The New York Times, January 6, 2012.
([34]) Jonathan Schroeden, “A Strait Comparison: Lessons learned from the 1915 Dardanelles Campaign in the context of a Strait of Hormuz closure event”, Center for Naval Analysis, September 2011.
([35]) “U.S. considers emergency hotline with Iran as close encounters bring fear of conflict”, Al-Arabiya, September 19, 2011.
([36]) Samar Said and Benoit Faucon, “Gulf Ministers Float Talks on Countering a Blockade”, The Wall Street Journal, December 25, 2011; See also: “Iraq, Kuwait Seek to Mitigate risk of Hormuz Blockade”, The Wall Street Journal, January 31, 2012.