معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· إن زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لواشنطن للاجتماع بالرئيس أوباما، وخطاب الرئيسين أمام منظمة إيباك، والمقابلات التي أدليا بها إلى وسائل الإعلام، كل ذلك يسمح بفهم أوضح وأكثر دقة لما يجري بين أعضاء المثلث المكون من الولايات المتحدة، وإسرائيل، وإيران. ولقد برز بوضوح في تصريحات الرئيس أوباما، ولا سيما في خطابه أمام منظمة إيباك، عدد من النقاط الاستراتيجية البالغة الأهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء. وقد اتضح أنه إلى جانب التخوّف المشترك للدولتين من إيران نووية، فإن الخلافات بينهما ظلت على حالها إزاء كيفية منع حدوث ذلك.
· يتطرق هذا المقال إلى النقاط الأساسية التي وردت في التصريحات الأخيرة للرئيس أوباما، ومحاولة تبيان أهميتها بالنسبة إلى إسرائيل خاصة، وإلى العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة عامة.
· لقد سعى الرئيس الأميركي في تصريحاته لإظهار حجم توطد العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال فترة ولايته سواء على الصعيد الأمني - العسكري، أو على الصعيد السياسي. كما أشاد بالتعاون الاستخباراتي بين الدولتين، وبالمناورات المشتركة التي أجراها جيشا البلدين، وأعلن استعداد الولايات المتحدة إعطاء إسرائيل أسلحة متطورة. وشدد على الدعم الكامل لإسرائيل على الصعيد السياسي، وأمام المؤسسات الدولية، وتحدث عن الجهود التي تبذلها بلاده لمواجهة الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل على الصعيد الدولي. وذكر في هذا المجال ما فعلته الولايات المتحدة ضد تقرير غولدستون [الذي أدان الاستخدام المفرط للقوة من جانب الجيش الإسرائيلي في عملية الرصاص المسبوك ضد غزة]، بالإضافة إلى موقفها في لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.
· إن القصد الأساسي من وراء هذا الكلام هو ضرورة أن تدرك إسرائيل أن لديها "صديقاً حقيقياً" في البيت الأبيض. ويتضمن كلام أوباما هذا، بالإضافة إلى كونه موجهاً ضد أخصامه الجمهوريين في ظل الحملة الرئاسية الدائرة حالياً في الولايات المتحدة، رسالة ضمنية لإسرائيل في الشأن الإيراني، هي أن على رأس الولايات المتحدة رئيساً "ملتزماً" بالدعم الفعلي والقوي لإسرائيل. وكان الرئيس أوباما قد صرح قبل أيام من خطابه أمام إيباك لصحيفة "أتلنتيك" أنه وفى بجميع تعهداته تجاه إسرائيل، وأوضح أن في إمكان دولة إسرائيل الاعتماد عليه أيضاً في الشأن الإيراني، فهو لن يخذلها، وسيعمل على الدفاع عن أمنها في وجه أي خطر يتهددها.
· جاءت مواقف الرئيس الأميركي من الموضوع الإيراني واضحة وقاطعة بصورة استثنائية. فقد أوضح لجميع الذين يحاولون أن يظهروا المشكلة النووية الإيرانية على أنها مشكلة إسرائيلية، أن حصول إيران على القدرة العسكرية النووية يتعارض مع مصلحة الأمن القومي الأميركي. ولمثل هذا الكلام أهمية بعيدة المدى لأنه يدحض ادعاءات بعض الأوساط الفاعلة في الإدارة الأميركية التي تتهم إسرائيل بممارسة ضغوط مكثفة من أجل دفع الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران.
· دافع الرئيس أوباما أمام إيباك عن سياسة الحوار (Engagement) التي انتهجها في مواجهة إيران طوال أعوام حكمه، مدعياً أن هذه السياسة هي التي كشفت التعنت الإيراني وعدم استعداد القيادة الإيرانية للتوصل إلى تسوية للمشكلة النووية، الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بالحصول على تأييد المجتمع الدولي لفرض عقوبات صارمة على إيران. وأشار في هذا الصدد إلى مشاركة روسيا والصين في الجهد الدولي لمنع تحول إيران إلى دولة نووية. وعلى الرغم من ذلك تجنب أوباما انتقاد هاتين الدولتين لعدم موافقتهما على عقوبات جديدة غير التي أقرها مجلس الأمن في صيف 2010.
· وقد رد الرئيس الأميركي بصورة قاطعة على الانتقادات التي وجهت إلى سياسة الحوار (Engagement)، والقائلة إن هذه السياسية ستؤدي في نهاية المطاف إلى قبول الولايات المتحدة بإيران نووية قائلاً: ليس لدى الولايات المتحدة سياسة "احتواء" (Containment) تجاه إيران، وإنما تقوم السياسة الأميركية على منع إيران من التحول إلى دولة ذات قدرات نووية. وقد كرر وزير الدفاع الأميركي هذا الكلام في خطابه أمام إيباك مشدداً بصورة غير قابلة للجدل على أنه في حال فشلت كل الجهود السياسية في منع إيران من مواصلة مشروعها النووي، "فإننا سنتحرك" (We will act). ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه لم يسبق للولايات المتحدة يوماً أن أعطت تعهداً قاطعاً مثل هذا التعهد لمنع إيران من الحصول على القدرة النووية. وكان الرئيس الأميركي قد حذر إيران من الخطأ في تقدير مدى إصرار الرئيس الأميركي على حل هذه المسألة.
· على الرغم من هذا الموقف فقد تجنب الرئيس الأميركي تقييد نفسه باستراتيجيا محددة في الشأن الإيراني، ولا سيما فيما يتعلق بمطالبة إسرائيل الإدارة الأميركية بالاعتراف بأن المدة الزمنية المتاحة لإسرائيل من أجل "معالجة" المشكلة الإيرانية أقصر بكثير من تلك التي لدى الولايات المتحدة، ومطالبتها ايضاً بوضع "خطوط حمر" واضحة، في حال تخطتها إيران فإنها ستُعتبر دولة تسعى للحصول على السلاح النووي. كذلك تطالب إسرائيل الولايات المتحدة بتقديم تعبير عملي لكلام الرئيس أوباما على بذل بلاده كل ما في مقدروها لمنع إيران من الحصول على هذا السلاح النووي. علنياً لم يظهر شيء بشأن هذه المطالب، لكن ليس مستبعداً أن يكون الزعيمان قد تناولا في اجتماعهما كثيراً من التفصيلات في هذا الشأن.
· في النهاية، شدد الرئيس أوباما على أنه ليس في إمكان إيران التشكيك في حق إسرائيل كدولة ذات سيادة في اتخاذ القرارت المتعلقة بالدفاع عن أمنها. وكان قد سبق أن أوضح أن على إسرائيل أن تكون دائماً قادرة على الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية ضد أي خطر يتهددها. وهو بذلك يكون قد رد بصورة غير مباشرة على كلام نتنياهو في الأوساط المغلقة على أن إسرائيل وحدها مسؤولة عن مصيرها.
· فإذا أضفنا إلى هذا الكلام تصريحات مصادر مسؤولة في الإدارة الأميركية يتبين لنا أن هذه الإدارة تريد أن تمرر رسالة إلى إسرائيل مفادها أنها لن تعترض طريقها في حال قررت أن تتحرك لوحدها. ولا يعني هذا أنها أعطت إسرائيل "ضوءاً أخضر" كي تهاجم إيران. إذ أوضحت الإدارة الأميركية بصورة غير قابلة للجدل أن هجوماً عسكرياً على إيران الآن هو خطأ من وجهة نظرها. لكن يمكن القول إنها أعطت "ضوءاً أصفر" في حال كانت إسرائيل مقتنعة فعلاً بأن عليها "الدفاع عن نفسها بقواها الخاصة". ويمكن هنا أن نضيف كلاماً مهماً قاله الرئيس الأميركي بشأن وقوف الإدارة دائماً إلى جانب إسرائيل في كل ما له صلة بالدفاع عن أمنها. ومن المحتمل أن يكون هذا الكلام ينطوي على رسالة ضمنية لإسرائيل بأن عليها ألا تقلق من خطوات عقابية في حال قررت مهاجمة إيران لوحدها، وأن الإدارة ستواصل دعمها لها في جميع الحالات.
إن العنصر الحاسم في التفكير الإسرائيلي بشأن المسألة الإيرانية ينبغي أن يكون إيلاء أهمية كبيرة لإيجاد "إطار من الثقة" بين الزعيمين، نتنياهو وأوباما، فيما يتعلق بقوة التعهدات الأميركية وعمقها لمنع إيران من التحول إلى دولة نووية. وحتى الآن فإن التصريحات العلنية لا تُظهر أن مثل هذا الإطار من الثقة بات موجوداً، وربما يتعين علينا معرفة ما جرى في الغرف المغلقة كي نغير تقديرنا هذا.