معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· خلال العام الماضي تواصلت التقديرات المتعددة بشأن كيف ومتى سينتهي حكم عائلة الأسد، وبشأن الوضع الذي سينشأ في سورية بعد رحيل الأسد، وعلى الأرجح فإن هذه التقديرات لن تتوقف قبل أن يُحسم الوضع في هذه الدولة المتشرذمة. وفي المقابل، فإن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ما زالت مترددة بشأن السياسة الصحيحة والفاعلة التي يجب اعتمادها بالنسبة إلى نوع وطبيعة المساعدة التي يجب تقديمها إلى المعارضة السورية التي تضم بين صفوفها تنظيمات إسلامية بعضها ينضوي تحت راية تيار الإخوان المسلمين، وبعضها الآخر ينتمي إلى التيار السلفي ـ الجهادي العامل ضمن إطار الجهاد العالمي.
· في الأسبوع الماضي سمعنا عدداً من التصريحات الصادرة عن أطراف في الجهاد العالمي من داخل سورية وخارجها، نستطيع من خلالها أن نتعرف ليس فقط إلى الرؤية المشتركة لهذه الأطراف من أجل تحويل سورية إلى جزء من الخلافة الإسلامية التي يطمحون إلى إقامتها، بل أيضاً إلى الخلافات في الرأي القائمة بينهم بشأن كيفية إدارة الصراع وتحرير سورية والتعامل مع السكان المحليين.
· وفي الواقع فإن الرؤية المشتركة بين هذه التنظيمات يمكن أن نراها من خلال كلام أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، الذي قاله في 7/4/2013، ودعا فيه مقاتلي تنظيم القاعدة إلى العمل من أجل إقامة دولة إسلامية في سورية. وبعد مرور يومين على تصريحات الظواهري أعلن أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، التابع للجهاد العالمي في العراق، والذي تُعتبر القاعدة أحد أهم تنظيماته، توسيع الخلافة الإسلامية في العراق إلى إقليم بلاد الشام (سورية)، وأعلن توحيد صفوف التنظيم العراقي مع جبهة النصرة. ومن المعلوم أن التنظيم العراقي كان مسؤولاً عن انتقال المتطوعين الجدد الذين أتوا من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في القتال في سورية، وعن تسليحهم، كما أنه ساهم في توجيه سياسة الهجمات التي قامت بها جبهة النصرة.
· وبعد يوم من تصريح البغدادي، صدر بيان باسم محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، أنكر فيه توحيد قواته مع قوات القاعدة، مشيراً إلى أنه علم بالخبر من خلال وسائل الإعلام، وأنه وتنظيمه لم يشاركا فيه.
· إن دراسة التصريحات الصادرة عن تنظيمات الجهاد العالمي في الأيام الأخيرة تكشف التوتر القائم بين توجّهين: فمن جهة تبرز رغبة زعيم جبهة النصرة في سورية في أن يكون جزءاً من الفكر الذي يؤمن به شركاؤه الأيديولوجيون، وذلك من أجل المحافظة على دعم ومساعدة شركائه من الجهاد العالمي في العراق بزعامة القاعدة. لكن من جهة أُخرى تبرز أيضاً رغبة زعيم جبهة النصرة في المحافظة على استقلالية تحرك جبهته، وعلى تعاونه مع الأطراف الأُخرى العاملة في سورية، وعلى علاقته بالسكان المحليين.
· ويكشف الجدل الكلامي الدائر في الأيام الأخيرة بين التنظيمات الإسلامية السلفية الجهادية التي تعمل على حسم المعركة في سورية، التصدعات والخلافات التكتيكية بين أطراف كثيرة، وقد درج الإعلام العالمي على التعامل مع هذه التنظيمات بصفتها كتلة واحدة موحدة. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أنه ليس لهذه الأطراف أهداف مشتركة، إذ إن هذه التنظيمات كلها تعتبر المعركة في سورية فرصة لإقامة نظام إسلامي يستند إلى الشريعة الإسلامية، أو على الأقل هي فرصة للسيطرة على أجزاء من سورية وتحويلها إلى قاعدة لخوض معركة الجهاد العالمي الإقليمية.
· وفي تقديرنا، فإن وجود مقاتلين شبان من جنسيات متنوعة، وبينهم عشرات المتطوعين من دول الغرب، هو أمر لا يبشر بالخير. فقد سبق أن رأينا مجموعات من الشباب المسلم الذي يأتي من عدة أماكن في العالم ويكتسب خبرة قتالية وحربية في باكستان والعراق، وكيف أدى هذا إلى إيجاد كوادر جديدة من المقاتلين الذين يمكن إرسالهم لمواصلة نشاطهم الجهادي في أنحاء العالم.
· وفي ظل ما سبق، يمكن القول إن امتناع دول الغرب، بما فيها إسرائيل، من التدخل فيما يحدث في سورية حتى الآن، سينتهي عندما ستتحول سورية إلى دولة إسلامية جهادية سلفية. ففي حال حدث ذلك، فإن من المتوقع نشوء معارضة قوية ضد ذلك من جانب المجموعات المتعددة في سورية، والتي تتعاون اليوم مع جميع الذين يشاركون في محاربة الأسد، كما أن ذلك سيؤدي إلى تدخّل عسكري خارجي للحؤول دون تحوّل هذه الدولة المركزية والمهمة في الشرق الأوسط إلى مركز للاضطرابات في المنطقة وخارجها.