· يمكن القول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نجح في أن يوحّد حكومته حول موضوعين هما: النفور من إطلاق مخربين [أسرى فلسطينيين]، والاعتراف العام والشامل بأن إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي.
وقد نصب نتنياهو لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فخاً متمثلاً في طلب الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، سار هذا الأخير نحوه وهو منتصب القامة ناسياً أن [الرئيس السابق للسلطة الفلسطينية] ياسر عرفات نفسه اعترف بأن إسرائيل دولة يهودية.
· وتسبب تأخير الوفاء بالالتزام المتعلق بإطلاق أسرى، والمناقصة التي أصدرها وزير البناء والإسكان أوري أريئيل ["البيت اليهودي"] لإقامة 720 وحدة سكنية جديدة في اليوم الذي اتفق فيه تقريباً على "صفقة بولارد"، بأن يقدّم رئيس السلطة الفلسطينية طلبات انضمام إلى 15 معاهدة ومؤسسة دولية تابعة للأمم المتحدة (14 منها ليس لها أي أهمية عملية).
· لا شك في أن هذا الإجراء الذي أقدم عليه عباس يتيح لرئيس الحكومة إمكان الاستمرار في الحفاظ على حكومته الحالية، ذلك بأن رئيس السلطة الفلسطينية أعطى كل من كان بحاجة إلى مبرّر للبقاء فيها مبرراً كهذا.
· ومع ذلك، فإن الحقيقة تبقى في مكان آخر. إن هذه الحقيقة تفيد أنه لم يكن ولن يكون ثمة أدنى احتمال لأن تصادق الحكومة الإسرائيلية الحالية على أي اتفاق مع الفلسطينيين. ومعروف أنه لا توجد تسوية لا توجب إخلاء مستوطنات، ولا توجد تسوية لا تُقام في إطارها عاصمة فلسطينية في الأحياء العربية من القدس الشرقية. هذا هو الثمن الخالص لإنهاء النزاع وقبول مبادرة السلام العربية التي تضمن تطبيعاً كاملاً مع كل الدول العربية. والأمر المؤكد أن 42 عضو كنيست من الائتلاف الحكومي من الحزبين اليمينيين ["الليكود بيتنا" و"البيت اليهودي"] لن يسمحوا بحدوث ذلك وسيشوّشون على أي محاولة من طرف رئيس الحكومة لتوقيع اتفاق كهذا. وستمنع أغلبية أعضاء كتلة الليكود رئيس الحكومة من إقامة ائتلاف جديد يوفر أكثرية ممكنة في الكنيست الحالي لاتفاق مع الفلسطينيين.
· السؤال المطروح الآن هو: ماذا سيحدث في حال فشل المفاوضات؟. برأيي أن الواقع بعد فشل المفاوضات سيتغير نحو الأسوأ، وسيتصاعد العنف في المناطق [المحتلة]، وستلجأ إسرائيل إلى خطوات عقابية تزيد الفقر والشعور بالمرارة، وستستمر في توسيع المستوطنات، وستتفاقم عمليات "جباية الثمن". ومرة أخرى سنجد أنفسنا في خضم حلقة مفرغة تجعل إسرائيل دولة واحدة لشعبين يمزقها صراع عرقي عنيف، وأكثر عزلة في العالم أجمع.
· بناء على ذلك، فإن ثمن الأزمة الحالية في جولة المفاوضات سيكون باهظاً في المدى البعيد.
· إن هذه الأزمة تثبت أيضاً أن من حلم بدولة يهودية مستنيرة تكون عضواً محترماً في الأسرة الدولية، كان يتعيّن عليه أن يسعى إلى إقامة حكومة مغايرة، حكومة تتحلى بشجاعة سياسية لتقديم خطة سياسية بديلة تتضمن إظهار الفائدة الاقتصادية لاتفاق مع الفلسطينيين وإظهار تكلفته أيضاً. ولا بُد من أن نذكر أن اتفاقاً كهذا يجب أن يتضمن تنازلاً عن السيطرة على خُمس مساحة أرض إسرائيل التاريخية، وتنازلاً عن السيادة على الأحياء العربية في القدس الشرقية.
· من الناحية الاقتصادية، فإن إخلاء عدد من المستوطنات وإعادة إسكان سكانها بصورة إنسانية محترمة سيكلف 15 مليار شيكل سنوياً مدة خمس سنوات. وهي تكلفة أقل بكثير من تكلفة النزاع التي تبلغ 1,5% من الإنتاج القومي السنوي.
· إن الثمن الأصعب هو الحاجة إلى خوض نضال عام ضد معارضي الاتفاق. وحتى الآن كان لدى يتسحاق رابين وأريئيل شارون فقط، الشجاعة الكافية لخوض نضال كهذا. وكلما جرى التوصل إلى مثل هذا القرار الوطني الحاسم أبكر كلما كان ذلك أفضل.
· يبدو واضحاً منذ الآن أنه في الانتخابات العامة المقبلة سيضطر المواطنون في إسرائيل لأول مرة منذ سنة 1996 إلى الاقتراع في انتخابات تدور حول الشأن السياسي لا حول موضوعات ثانوية من حيث أهميتها عمد رؤساء الأحزاب المتعددة [في الانتخابات السابقة] إلى إثارتها كي يلتفوا على الموضوع السياسي الجوهري.